strong>لماذا فشل وزراء الإعلام الأسبوع الماضي في الإجماع على آلية لتنفيذ «وثيقة تنظيم البثّ»؟ وماذا يعني إنشاء مفوّضية للإعلام؟ ثم أي خبراء سيشاركون في إنشائها؟ وأيّ قيود سيفرضون على الفضائيات؟ الجواب في حزيران (يونيو) 2009، الموعد المقبل لاجتماع الوزراء العرب
محمد خير
تشير المقولة الدارجة إلى أنّه إن أردتَ أن «تقتل مشروعاً، فحوّله إلى لجان»... تُرى هل ينطبق الأمر نفسه على مشروع وثيقة تنظيم البثّ الفضائي؟ تلك الوثيقة التي أحال الوزراء العرب تنفيذ آلياتها الأسبوع الماضي إلى «مفوضية» مستحدثة، ويزيدُ من «هلاميتها» أن لها بعداً عربياً عاماً مشتركاً أو شبه مشترك (راجع «الأخبار»، عدد الجمعة 20 حزيران/ يونيو 2008).
هل يمارس وزراء الإعلام العرب هروباً إلى الأمام بتأسيس مفوضيتهم التي أوكلوها إلى عمرو موسى؟ أم أنهم بصدد إضافة المزيد من الدلالات السيئة لمسمى «جامعة الدول العربية»؟ فإضافة إلى فشل الأخيرة في حلِّ الأزمات العربية، تبدأ اليوم باكتساب سلبيات جديدة متعلّقة بكبت حرية التعبير في العالم العربي.
في المؤتمر المشترك بين وزير الإعلام المصري أنس الفقي والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى يوم الخميس الماضي، بدا طريفاً أن التصريحات التي أدلى بها الأول حملت معاني مبطَّنة. لا بدَّ أن الوزير لم يقصدها على النحو الذي آل إليه تفسيرها من المراقبين. من أهمها، قوله: «إننا نتطلع إلى مفوضية الإعلام العربي المقترحة أن يفوق دورها بكثير تطبيق مبادئ تنظيم البث الفضائي في المنطقة العربية». كأن الوزير الذي تبنّى مع نظيره السعودي مشروع الوثيقة، يلمّـــح إلى أدوار غير إعلاميــــــة في مضمونها. أدوار أمنية وسياسية، يرى كثيرون أنها السبب وراء «الشيء ونقيضه». أي أن تلك الأدوار هي الدافعُ إلى الحماسة التي أبداها الإعلاميون الرسميون لفرض القيود على الإعلام العربي. وهي (أي الأدوار) ـ في الوقت نفسه ـ السبب وراء التعطيل الذي شاب تطبيق تلك الوثيقة. لماذا؟ لأن الأهداف والسياسيات العربية تختلف وتتعارض وتتناقض، يجمع بينها هاجس الأمن وحماية الأنظمة السياسية و«الفكرية». لكن هذا ما يفرّقها أيضاً، إذ إن تلك المصالح نادراً ما تجتمع خارج نطاق التوأمة الأمنية وقوائم تسليم المتهمين. أما في ما يخص الإعلام، فيرى كل عرش وكل كرسي رئاسة، أن الفضائيات هي أداة لتوسيع نفوذ، يزيدُ عمّا يتيحه الوضع على الأرض. صراعُ الأثير يرسم صــــورة تتجاوز مساحة البلاد وحجم السكان وحجم الاحتياطي النفطي. وهي صورة لا بدَّ لها من أن تلتهم صور الآخرين كي تتسع.
ومن هنا، لا يمكن أن يتفق أولئك الآخرون، إلا على «مبدأ» تقييد الإعلام، لأن لكل منهم في إعلامه «غرضاً». أما آليات تطبيق ذلك، فهي مسألة يصعب التوصل إليها من وزارات، لم تعرف سوى «القرارات» و“الأوامر» و“التعليمات» وصور الرئيس والملك والأمير. ولم تبدأ بالتعرّف الى إعلام أقل رسمية، إلا من خلال القطاع الخاص الذي أصبح يمثّل 80 في المئة من السوق الفضائية العربية، كما ذكر أنس الفقي في المؤتمر الصحافي. وقد أكد أنّ ذلك يستدعي أن تكون المفوضية «جهازاً تنظيمياً لحركة الإعلام فى المنطقة العربية»، بعدما أصبحت الحكومات «تمتلك 20 فى المئة فقط من القنوات الفضائية». وإن كانت تلك النسبة تثير حزن الوزير، فلا بدّ من أن ما يثير غضبه هو «نسبة المشاهدة» التي تحظى بها الفضائيات الرسمية. علماً أن الغالبية العظمى من الدول العربية تمنع المحطات الخاصة من البث الأرضي الذي تحتكره الحكومة. ولولا هذا الاحتكار، لوجدت التلفزيونات الرسمية أنها تخاطب نفسها أو مديريها. ذلك أنه حتى العاملون فيها يشاهدون الفضائيات الخاصة. وهو أمرٌ يستدعي العجب، عندما يعرف المشاهد أن المسؤولين عن تلك التلفزيونات الرسمية، هم الذين يتخذون موقع الناصح والمراقب، بل المقيّد لنشاط التلفزيونات صاحبة الجماهيرية الحقيقية. علماً أن هذه الأخيرة يقودها خبراء إعلاميون من نوع آخر، نوع أفرزته التجربة والخبرة لا القرارات الإدارية.
وهنا يكمن جوهر القضية: من أي نوع، سيتم اختيار الخبراء الذين ستتألّف منهم مفوضية الإعلام العربي، والمنوط بهم وضع الآليات لتنفيذ وثيقة تنظيم الفضائيات؟ هو سؤال محير ومثير، إذ إن معظم الإعلاميين الرسميين يفتقرون إلى خبرة ـ وآليات ـ السوق الفضائية الحرة، فهل يستعان بخبراء الفضائيات الناجحة لوضع آليات تقيد حريات محطاتهم نفسها؟!
حزيران (يونيو) 2009 هو الموعد المقرر لعرض مشروع إنشاء مفوضية الإعلام العربي على اجتماع وزراء الإعلام العرب. وفي ظل واقع يتغير كل يوم، يبدو ذلك موعداً بعيداً، وخصوصاً مع التفكك التدريجي للتوافق على الوثيقة نفسها التي لم تتحفّظ عليها في البداية سوى قطر، قبل أن يلحق هذا التحفظ بدول أخرى مثل لبنان وعمان، في ما يخص إنشاء المفوضية. وهي تحفظات ستتسع مع الوقت، وخصوصاً أن الرغبة في التمويه على الدوافع الحقيقية ـ السياسية ـ لإقرار الوثيقة، جعلتها تتضمّن كمّاً هائلاً من القضايا. وتحدد لنفسها دائرة أهداف شديدة الاتساع، تبدأ من دعم «صمود القدس»، وصولاً إلى المشاركة في «حوار الحضارات». ما يتضح منه أنّ الرغبة في «تنظيم» الإعلام العربي لم تصحبها الرغبة في التخلّص من عادة «الكلام الكبير»، وإنما صحبتها الرغبة في تعميم التقييد. إذ بدأ الوزراء العرب بوضع «الإعلام الإلكتروني» نصب أعينهم أيضاً، فلينتبه المدوّنون!


وزراء ومؤهّلات