بيار أبي صعبرحل بشير الداعوق في الخريف الماضي، ليزيد من حالة الفراغ في المدينة التي كان من علامات عصرها الذهبي. رفيقة دربه غادة السمّان ملأت السماء نشيجاً خافتاً، فيما رثى أهل الأدب والفكر والسياسة والإعلام، مؤسس «دار الطليعة» ومجلة «دراسات عربيّة»، ثم انصرف كلّ إلى معاركه وأحزانه. وكان لا بدّ من صدور الكتاب الشهادة قبل أسابيع، كي نستعيد بعض فصول تلك القصّة الاستثنائيّة التي قد يجد فيها كلّ قارئ شيئاً من ذاته. أليست السيرة الشخصيّة خلاصة الأحداث التي عاصرها المرء، والتجارب التي عاشها، والكتب التي اخترقت حياته؟ والرجل الذي عدّه عباس بيضون «عرّاب شبابنا الثقافي»، «وهب رفّاً بطول الأفق إلى المكتبة العربيّة التنويريّة» كما تذكّر صاحبة «كوابيس بيروت». يكفي ربّما من بين مئات الإصدارات المرجعيّة التي أثّرت في زمنها، أن نذكر عنواناً واحداً من كاتالوغ «الطليعة»: «نقد الفكر الديني» لصادق جلال العظم.
«بشير الدّاعوق، كأنّه الوداع» (دار الطليعة)، كتاب تذكاري يصفع بعفويّته. ألبوم حميم يضم رسائل الأصدقاء وشهاداتهم المنشورة، كلمات حازم الابن الوحيد الذي تسلّم التركة الثقيلة، مقالات غادة في «الحوادث»، بعد أن أفلتت منها يد الحبيب الباردة في المستشفى. إنّه دفتر مدرسي ألصقت فوق صفحاته الصور والذكريات، مع تعليقات بخط اليد ورسوم وإشارات.
حين التقت بشير الداعوق في عام 1969، كانت الكاتبة الشاميّة الشابة شغل بيروت الشاغل ومحطمة القلوب. تعيش في أوتيل «ألكسندر» وتعمل في «الحوادث»، ولم تصدر إلا ثلاثة كتب بينها «لا بحر في بيروت». قصدته من أجل تحقيق صحافي عن «ازدواجية المثقف الثوري تجاه المرأة»... ثم لم يفترقا. المثقف الملتزم، صاحب المشروع القومي النهضوي، صار شريك «حرفها». في كل ذلك شيء من سيرتنا الحميمة!