حسين بن حمزةالشعر مزدهر في مصر، وخصوصاً قصيدة النثر. هذه حقيقة يعترف بها الشعراء والنقاد معاً. في الثمانينيات، فتحت بعض الأصوات الشابة ثغرات داخل التاريخ شبه الصارم لشعر التفعيلة المصري. كانت هناك قصيدة نثر قبل ذلك طبعاً، لكن ما حدث في الثمانينيات، ثم في التسعينيات، كان أشبه بطوفان نثري. عشرات الأسماء الجديدة راحت تنشر مجموعاتها الشعرية. وعشرات غيرهم أعلنوا انتسابهم إلى المشهد الذي كان يتشكل.
لكن الازدهار النثري لا يعني أن كل ما كُتب ــــ ولا يزال ــــ ذو سوية واحدة أو متقاربة. ثمة تجارب مهمة فعلاً.وثمة تجارب أقل أهمية، وأخرى عادية جداً. المشهد العام جعل تعايش المهم والأقل أهمية والعادي ممكناً. لكن التعايش ــــ في الوقت نفسه ــــ أسهم في خلق نظرة خاطئة ترى أن الازدهار الجماعي هو حاصل جمع الازدهارات الفردية. مناسبة هذا الكلام هي صدور مجموعة «تحريك الأيدي» (دار النهضة)، وهي الثالثة للشاعر المصري عيد عبد الحليم. تصلح المجموعة مثالاً على ما هو رائج في المشهد الشعري المصري الراهن. ثمة «طبعة مصرية» لقصيدة النثر سائدة هناك. الجميع تقريباً يكتبون القصيدة اليومية. القصيدة القصيرة المبنية على فلسفة «الإنسان الصغير» والمشهديات الحياتية والتفاصيل المهملة. هناك فروق بين تجربة وأخرى، لكنها ضائعة وسط التشابه العام.
قصائد عيد عبد الحليم موجودة في هذه المنطقة. إنها قصائد نثر متمتعة بكل الخصائص والسمات الشكلانية لـ«قصيدة التفاصيل». لكن القارئ المتمهل والمتطلِّب يدرك سريعاً أن توافر هذه الخصائص لا يكفي ـــــ وحده ـــــ لإعطاء علامة عادلة لشعرية هذه القصائد.
يتميز شعر عبد الحليم بكونه غير معني بإعادة كتابة سيرة الشاعر وحدها. ثمة موضوعات وزوايا نظر متعددة. المشكلة أنّ الكتابة نفسها خفيفة. نادراً ما تنجح في تحويل ما هو عادي وفوتوغرافي إلى مادة شعرية متميزة. في قصيدة «رصاصة صغيرة»، نقرأ: «فنجان قهوة/ يكفي أن يمنح أوردة المخ/ استيقاظاً كاملاً/ بينما رصاصة صغيرة/ قادرة على تغيير العالم».
في كتابة كهذه، يبدو واضحاً أنّ عمل الخيال أقل من عمل العين. معظم المواد والخامات المتفق عليها في قصيدة يومية موجود في شعر عبد الحليم. ما ينقصها هو الشغل الذكي والمتعدد المساعي عليها. يلزمها مهارة أكثر في التقاط الشعري والعميق والمدهش. وثمة مشكلة أخرى تتعلق بالخاتمة أو «القفلة الشعرية». في الشعر اليومي تكون غالباً القفلة مساوية للشعر الموجود في القصيدة بكاملها. القفلة في قصائد عبد الحليم غالباً ما تكون شرحاً أو تلخيصاً لما سبقها. أحياناً نقرأ بعض الصور المعقولة مثل «صانع الأقفاص/ الذي ربّى بنتين وولداً وشارباً».