نوال العلييكتب هادي دانيال في تقديمه لباكورة الشاعرة التونسية ألفة اليزيدي «على أرصفة السماء» (دار صامد للنشر ــــ صفاقس): «كأن محمد شكري مثلاً ينبعث شاعرةً تدفع نحونا قصائدها الأولى عارية كروحها من دون اتكاء إلى قوالب الإغراء للإيحاء بجرأة باتت تفتعل». نتفق مع دانيال في ما يتعلق بمسألة افتعال الجرأة، لكن أقل ما يقال عن تشبيه الشاعرة بمحمد شكري أنّه ثناء زائف يفسد الموهبة.
تتلمّس اليزيدي قصيدتها، تكتب من دون أن تحفل بالمشهد ولا الصورة في بنيتها النصيّة، رغم أنّها فنانة تشكيلية. وإن كان هذا يضعف من الشعرية، إلاّ أن الشاعلرة تعوض عن ذلك ببناء قصيدة تُقرأ كقصة، لأن حبكة الشعر في آخرها. ثمة حكاية تكتشف بعد قراءة تفاصيل سردية يومية. وتصلح قصيدة «يوم في حياتي» كنموذج للعمل كاملاً، «أستيقظ ككل صباح/ على صراخ المنبه/ أرميه عرض الحائط/ وأرتدي ثيابي بكسل/ أدخن سيجارتي الأولى/ دون أن أتلذذ بطعم القهوة/ أقبّل أخي الصغير قبلته الصباحية/ وأنهمر على الدرج مسرعة/ أتعثّر/ ألعن هذا اليوم/ككل صباح». كم من الشعر موجود في هذا المقطع؟ إلى أن تقول: «الساعة الواحدة بعد الزوال/ هاتفي لا يتوقف عن النداء/ أتجاهل بعض المكالمات/ أبحث عن مفاتيحي/ أتذكر أنني نسيتها في المكان نفسه». وتنهي القصيدة بـ«أتساقط نحو غرفة أخي/ أقبّله قبلته الليلية/ أبحث عن سرير/ متجاهلة غضب أبي/ وصراخ أمي/ أقنع نفسي بأن غداً يوم آخر/ وأنام». هذه التفاصيل كلها ليست شعراً، والقصيدة ليست قصيدة، إنها ما زالت فكرة قصيدة من دون اشتغال لغوي أو صوري. فقد وقعت اليزيدي في فهم بريء أو غير ناضج لقصيدة النثر. وهي على حالها تكشف عن شعرية لم تفصح عن ذاتها بعد، لأنها لو كانت كذلك لنأت بنفسها ونصّها عن استخدام لغة مستعملة مثل «هاتفي لا يتوقف عن النداء» أو «أقنع نفسي بأن غداً يوم آخر». هذه ليست لغة اليزيدي، إنها لغة أي أحد. لا بد من أن الشاعرة نفسها تعرف ذلك، لكنّ هناك هاجس التوق إلى الكتاب الأول، والشعور بالحب تجاه ما نكتب، تجعل الكاتب في بداياته لا يدرك ضرورات التعديل.
لكن هناك قصائد صغيرة تكتشف داخل النصوص، كأن تقول الشاعرة في قصيدة طويلة: «كلّ المرايا انكسرت/ إلاّ المحدقة في وجهي». أو في أخرى «بكرامة شوهتها الحاجة إلى قطعة قماش/ قد تحارب المستوطن في أجسادهم». وفي مقطع آخر «مغسولة بدم ذاكرتي/ أشرق/ كيف أوقعت ليلي الطويل/ في كمائن فجرك/ كأني أولد من فمك». هل يمكن القول إنّ هذا ليس الديوان الأول لألفة اليزيدي؟ إنه الانطباعات والأفكار الأولى التي ستكتبها شعراً لاحقاً بالتأكيد.