وبالرغم من تعاطف رولو المعلن مع القضايا العربية من خلفية أفكاره اليسارية التي ظل متمسكاً بها حتى الرمق الأخير، كما بينته بوضوح كتاباته المتأخرة في «لوموند ديبلوماتيك»، إلا أنّ الشهرة العالمية التي اكتسبها، والتغطيات المدوية التي أنجزها لـ«لو موند» خلال الحروب العربية - الإسرائيلية بين 1967 و1973، أتاحت له فرصة لقاء أغلب رموز الدولة العبرية، من بن غوريون إلى شيمون بيريز، مروراً بغولدا مائير وموشي دايان وميناحيم بيغن.
مع فوز اليسار بالحكم في فرنسا مطلع الثمانينيات، دخل رولو مجال العمل الديبلوماسي من طريق الصدفة كما قال مرة. جاء ذلك إثر محادثة رسمية مع الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران الذي ربطته به صداقة متينة قبل وصوله إلى قصر الإليزيه وبعده. خلال ذلك اللقاء، تحدث رولو إلى «صديقي الرئيس» بصراحته المعهودة، ناصحاً إياه بالبحث عن تسوية دبلوماسية للخلاف مع العقيد القذافي الذي كان قد تحول إلى مواجهة عسكرية فرنسية - ليبية غير معلنة في شريط أوزو الحدودي مع التشاد. وأفاض رولو في الحديث عن شخصية القذافي وطباعه النارية والمتقلبة، من موقع معرفته الوثيقة به.
الصحافي المصريوإذا به يفاجأ بميتران يقترح عليه القيام بوساطة دبلوماسية غير رسمية بينه وبين القذافي. نجحت مساعي الصحافي المخضرم في نزع فتيل النزاع في أوزو، ما مهد لاحقاً لدخول رولو حقل العمل الدبلوماسي رسمياً، إذ عيِّن سفيراً لفرنسا في تونس عام 1985.
الفرنسي اشتهر بتعاطفه مع القضايا العربية من خلفية أفكاره اليسارية
وفي أيار (مايو) 1986، بعد خسارة اليسار في الانتخابات البرلمانية، كان رولو سبباً في نشوب أول أزمة بين ميتران ورئيس حكومة «المساكنة» جاك شيراك. الأخير طالب برأس رولو فور وصوله إلى قصر «ماتينيون»، لكن ميتران رفض توقيع القرار ما لم يُسند إلى رولو منصب دبلوماسي بديل. واشترط نزيل الإليزيه أن يكون هذا المنصب «في مستوى الخدمات التي قدمها (رولو) لبلاده». وذلك ما حدث بالفعل. استقال رولو من منصبه في تونس، وعينه شيراك «سفيراً متنقلاً» إرضاءً للرئيس ميتران.
لم يفهم في حينه سر تلك العدائية التي تصرف بها شيراك ــ وهو وريث الديغولية ــ مع اريك رولو، الذي يعد أحد الأوجه المشرقة لـ«سياسة فرنسا العربية». ولم يتضح السبب إلا عام ٢٠١٢، حين أصدر رولو مذكراته «في كواليس الشرق الأوسط، 1952 - 2012» (منشورات فايار – باريس). كشف رولو أن ميتران كلفه مهمة دبلوماسية سرية، على غرار تلك التي قام بها مع القذافي بخصوص أزمة شريط أوزو، وتمثلت المهمة الجديدة في ايفاد رولو سراً إلى طهران للتفاوض مع المرجعيات الدينية هناك لإطلاق سراح الرهائن الفرنسيين لدى المقاومة في لبنان.
كان رولو قد غطى أحداث الثورة الإيرانية من الداخل، وكان ضمن قلة نادرة من الإعلاميين الذين رافقوا الإمام الخميني في طائرة عودته إلى طهران بعد سقوط نظام الشاه، ما سمح له ببناء شبكة علاقات متينة في طهران. لذا، انتدبه ميتران للتفاوض سراً لإطلاق الرهائن. ونجح رولو في التوصل بالفعل إلى اتفاق، كان مقرراً بموجبه إطلاق الرهائن بتاريخ 15 آذار (مارس) 1986، عشية الانتخابات البرلمانية الفرنسية. لكن شبكات وزير الداخلية اليميني، السيئ الصيت، شارل باسكوا، تدخلت من طريق «رجل المهمات القذرة» في دبلوماسية الظل اليمينية الفرنسية، جان شارل ماركياني لعرقلة المبادلة. لقد تعمدت تأخير إطلاق الرهائن إلى ما بعد الاستحقاق الانتخابي الفرنسي، ما أدى إلى هزيمة اليسار، واضطرار ميتران إلى التعايش مع حكومة مساكنة يمينية برئاسة شيراك. في مذكراته، كشف رولو أنّه انتقم من شبكات باسكوا وألاعيب اليمين الفرنسي بتسريب برقية سرية تلقاها من صديقه محمد صادق، المستشار الخاص لوزير الحرس الثوري الإيراني، وتضمنت تفاصيل المساعي التي قام بها اليمين الفرنسي من أجل تأخير إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين.
وسبّب نشر تلك البرقية من قبل جريدة «لوماتان» اليسارية جدلاً مدوياً أدى إلى خسارة شيراك أمام ميتران في انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 1988.