ما الذي يدفع بالفنان، بعد وصوله إلى مرحلة معينة من النجومية، إلى الأحضان الدافئة للنظام الرسمي؟ حملات دعائيّة مجانيّة هنا، أفلام ومسلسلات تمجّد رموز الحكم هناك، وتصريحات تُدافع عن التوريث... من عادل إمام إلى نور الشريف وحتى الراحل أحمد زكي
محمد خير

قبل أن يصيبه المرض، تحدّث الفنان الراحل أحمد زكي مراراً، عن رغبته في تقديم فيلم عن «الضربة الجوية»، أو بالأحرى عن «صاحب» الضربة الجوية. فاسم الفيلم هو الأيقونة الشرعية التي يستند إليها، حتى الآن، نظام الرئيس المصري حسني مبارك. ذلك أن هذا الأخير كان قائداً للقوات الجوية إبان حرب أكتوبر 1973، وعلى رغم أن الفنان الأسمر قد رحل قبل تحقيق «حلمه»، ظلّت شخصية الرئيس مبارك تقترب وتبتعد عن احتمال تجسيدها فنياً. ولا يخرج عن ذلك السياق، مسلسل «سنوات التحدي» الذي يقوم ببطولته «نور الشريف»، وتبثه الآن إذاعة «البرنامج العام» الحكومية المصرية.
لا أحد يعرف سرّ الهاجس الذي يلحّ على الفنانين المصريين في سن معينة، أو بعد وصولهم إلى مرحلة معينة من النجومية، دافعاً إياهم إلى الأحضان الدافئة للنظام الرسمي. وما يثير الدهشة والعجب، أن تلك الرغبة في تجسيد شخصية الرئيس، أو انتهاج الدفاع عن نظامه وحكوماته في الحوارات الصحافية، هي أفعال يمارسها أولئك النجوم في مرحلة لم يعودوا يحتاجون فيها إلى دعم من أي كان: فمحبتهم تملأ قلوب الجمهور، وإيراداتهم وأجورهم تتحدث عنهم. في وقت تتبدى حقيقة صريحة مفادها أن النظام المصري، وإن كان ليس، على الإطلاق، مثالاً للديموقراطية، إلا أنه يترك هامشاً من حرية الحركة، هامشاً صغيراً قد لا يتيح لنجوم التمثيل والطرب انتقاد النظام السياسي. «بعض الكتاب يفعلون»، ولكنه أيضاً لا يجبرهم على الدعاية للنظام بصورة مباشرة، أو لم يعد يفعل، على الأقل، بعد خفوت ظاهرة الأوبريت الوطني/ الرئاسي. في ذلك السياق، هناك نجوم حاولوا قدر الإمكان أن يحتفظوا بآرائهم لأنفسهم، وهناك آخرون لم يبدوا مهتمين بالسياسة من بابها. وبينما أبدت أعداد قليلة حرصاً على المشاركة في بعض الفاعليات القومية والإنسانية، كان بعض النجوم الكبار على استعداد دائم لتقديم دعاية مجانية، ليس للنظام القائم فحسب، بل لاستمراريته في نطاق ما يعرف بتوريث الحكم، كما صرح عادل إمام منذ أيام لفضائية «الحياة».

المتمرّد و«الحرّيف»

في الوقت الذي عرفت فيه مصر الحديثة حكماً تجاوزت مدته حكم مبارك، وهو حكم محمد علي باشا الذي امتد لثلاثة وأربعين عاماً، فإن مصر لم تعرف كوميدياناً استمر على قمة الكوميديا للمدة التي قضاها، ولا يزال، عادل إمام. أكثر من ثلاثين عاماً والكوميديان الأسطوري يقدّم أدوار ابن البلد المتمرّد و«الحرّيف». لكنه لم يعد كذلك، لقد «رقّى نفسه» كما يكتب الناقد السينمائي محمد رضا، واصفاً «الزعيم» في أفلامه الأخيرة: «بات من النظام الاجتماعي العالي. هو الثري، وهو الوزير، وهو النائب وهو الذي يحمله الشعب فينقلب عليه، لا لأن الشخصية التي يمثّلها على خطأ، بل لأنه وصل إلى المرحلة التي لا يمكن أن يكون فيها على خطأ، والشعب يستحق ما يُصنع فيه».
ربما لذلك لم يعد مستغرباً، وفقاً لتلك «الترقية»، أن يدافع عادل إمام في حواراته الصحافية المختلفة عن النظام القائم ممثلاً في أفراده، وبصفته أصبح واحداً من تلك الطبقة. بل إنه في الحلقة الثانية من حواره المذكور مع فضائية «الحياة»، (برنامج «الحياة اليوم»)، يقول: «يعجبني جمال مبارك، ويا ليته يرشح نفسه للرئاسة». وهو تصريح لا يحمل فقط دعماً لعملية توريث، يثير مجرد احتمالها سخطاً وغضباً في مصر، بل إنه يفترض سذاجة في متلق افتراضي. ذلك المتلقي من المفترض أنه يصدق ما يسمعه من نفي رسمي لعملية التوريث، بل قد يصدق «تمنّي» عادل إمام أن يرشح مبارك الصغير نفسه للرئاسة. إضافة إلى ما يحمله ذلك التمني من معان ضمنية، تفترض، بدورها، أن هناك فعلاً ترشيحاً حقيقياً وانتخابات نزيهة متكافئة الفرص. عالم وهمي يحوّله إمام إلى حقيقة لا يعتنقها فحسب، بل يدافع عنها من دون اهتمام بمنتقديه، وإن كانوا جمهوره، «أنا حرٌّ في رأيي»، يقول «بشجاعة» للبرنامج نفسه.

«سنوات التحدّي»

الوضع مع نور الشريف يختلف: فمحلياً، هو صاحب «سواق الأوتوبيس». وقومياً، هو ليس فقط صاحب «ناجي العلي»، بل إنه شريك في الإنتاج، تحمّل هجوماً شرساً من الصحافة الرسمية عندما شخّص حياة الفنان الفلسطيني الشهيد. ما جعل المثقفين يحملون تقديراً خاصاً لنور، بوصفه أحد الفنانين المثقفين القلائل. لكن بدء بثّ مسلسل «سنوات التحدي» يبدو أنه سيعكّر هذا التقدير، على رغم أن الشريف يعيد تجسيد شخصية مبارك، ولا يقدمها للمرة الأولى. إذ إن هذا العمل هو الجزء الثاني من المسلسل الإذاعي «سيرة ومسيرة». وقد بث جزؤه الأول قبل حوالى 14 عاماً، وهو الجزء الذي كتبه الراحل فاروق صالح، وقد حل بدلاً منه أيمن سلامة للجزء الثاني. بينما استمر العمل مع المخرج محمد مشعل ومع البطلة نفسها «ميرفت أمين» في دور قرينة الرئيس.
إذاً، إنها ليست المرة الأولى لنور الشريف. لكن المزاج السياسي والاجتماعي في مصر لم يعد كما كان قبل خمسة عشر عاماً. الآن أصبحت الصحافة المستقلة والمعارضة تكيل انتقاداتها بقوة للرئيس نفسه، فليس صعباً عليها أن توجه انتقادات أشد لمن يجسد شخصية الرئيس، وخصوصاً، أنه اختار يوم عيد الميلاد الثمانيني موعداً لبدء البث. وهو يوم الإضراب العام، كأنه يعلن أن مسلسل «سنوات التحدي»، يمثّل تحدياً للذين قرروا الإضراب.


روبي والديموقراطية

لم يكن تأييد النظام المصري القائم حكراً على الفنانين المخضرمين أو القدامى. في حوار له مع ياسمين السماحي على موقع «في البلد»، دعم نجم الكوميديا أحمد حلمي توريث الحكم في مصر. وقال في الحوار الذي أجري قبل عامين: «أنا نفسي جداً أن يتولّى جمال مبارك الحكم، لأننا ناس أصبحنا نقول لا و«خلاص». هذا شاب أولاً، يحمل فكراً جديداً وتصوراً جديداً. ثانياً، هو تربى في قلب السياسة، ولديه خلفية من موقعه كأمين السياسات في حزبه، ولديه تعليم كاف، فلماذا لا؟ هذا شخص حينما كان طفلاً، كان يستيقظ ليسأل عن والده، فيجده في مؤتمر يحل مشكلة دولية. وبالتالي، أجده صالحاً جداً لهذا المنصب وعن جدارة».
في توقيت قريب من توقيت تصريحات حلمي، فاجأ الفنان أحمد راتب جمهوره بدفاع شرس عن النظام المصري على شاشة «الحرة»، عندما استضافه جوزيف عيساوي في برنامج «قريب جداً». دافع راتب عن بطء عملية الإصلاح الديموقراطية في مصر، مشبهاً إياها بطفل لا يمكن أن يؤخذ من المهد إلى الجامعة مباشرة!
والمخرجون كان لهم نصيبهم أيضاً: شريف عرفة كان هو من أخرج حواراً تلفزيونياً طويلاً أجراه مع الرئيس مبارك الإعلامي عماد الدين أديب. لكن مهارات عرفة لم تنجح في إنقاذ الحوار الذي لم يأت بجديد، خصوصاً أن صحيفة رسمية أشاعت أن الرئيس سيعلن مفاجأة كبرى في الحوار، وهي المفاجأة التي لم تأت أبداً. أما شريف صبري، فهو المخرج الذي أوكل إليه أيضاً مهمة إخراج الحملة الإعلامية للرئيس في انتخابات الرئاسة السابقة. وعلى رغم أن صبري نجح في تقديم بصمة مميزة، لم يخل الأمر من انتقادات صحافية، رأت أنه لا يليق بأن يقدم الرئيس إلى الناس، الرجل نفسه الذي قدّم روبي.