محمد خيرفي روايته الثانية «كيرياليسون» (الدار للنشر ــــــ القاهرة)، يكثر هاني عبد المريد من الإشارات والهوامش، بل أحياناً من الرسوم البيانية. هو لا يرقّم الفصول بل يسمّي كل فصل باسمه، ويبدأ كل فصل بمدخل في أعلى يسار الصفحة يسمّيه «صدى صوت» ويكتب المداخل بالعامية. وهو لا يكتفي بالتابوهات المعهودة، بل يدخل في ثنايا المجتمع القبطي (عنوان الرواية مفردة مسيحية تعني «يا رب ارحم»)، ويحكي عن تجربة الخدمة العسكرية. كل ذلك على خلفية أحد مجتمعات العشوائيات، حيث يحصّل الناس رزقهم من العمل في فرز القمامة، ثمّ يجد المؤلف مكاناً ـــــ بعد كل ذلك ــــــ لغزو العراق! ألا يبدو كل ذلك طموحاً كبيراً جداً لرواية لم تتجاوز 120 صفحة؟ربما، لكن عبد المريد يبدو ممسكاً جيداً بأدواته، قادراً على الحفاظ على الإيقاع، وقول الكثير بكلمات قليلة. لذا، فإن الرواية ـــــ رغم تعدد إشاراتها وقضاياها ـــــ لم تفلت من مؤلفها وظلت تحمل قدراً جيداً من التشويق.
«الأم التي ولدت سفاحاً، فوضعت ابنها ليلاً داخل كيس وسط طريق القاهرة/ السويس، هل انتظرت لتتأكد من موته؟» مثل هذه الأسئلة يراود الشاب ناجح تيسير الذي يبلغ 29 عاماً واختفى منذ يوم 10/4/2003، أي في اليوم التالي لسقوط بغداد. لكنّ اختفاءه لم يكن ذا علاقة بالغزو الأميركي، ليست علاقة مباشرة على الأقل. لا بد من أن أبيه الشيخ تيسير سيكتب بيانات «الابن الضال» على ورقة، سيلصق الورقة على جدران القاهرة وأعمدة إنارتها. ربما أيضاً ـــــ من باب السخرية ــــــ سيضيف الأب على الورقة «يعاني من حالة نفسية» أو «متخلف عقلياً». هكذا سيستطيع الأب محو الابن الذي خرج ولم يعد.
العلاقات في «كيرياليسون» واضحة وبدائية، لا مكان للرحمة... ما يسود هو ثقافة البلطجة والغزو والاغتصاب والحقائق الواقعية لبشر مغروسين في مقلب قمامة كبير، لا يمكن تجاهل رائحته. أما ناجح فلا يختلف كثيراً عن الآخرين. هو يحمل أخطاءهم المشتركة وخطاياه الخاصة، لكنّه دونهم. يتلقى عقاباً خاصاً في مكان لا يدري عن كنهه شيئاً. كيف جاء هنا؟ مَن أتى به؟ هل سيخرج أبداً؟ هي أسئلة إضافية بلا إجابة وذكريات تتنقل بين تجارب الطفولة والشباب. وإذا بالذاكرة قد أصبحت «كحصّالة طفل فقير... تتزاحم بداخلها أرقام لأحداث لا تذكرها». يستعين على وحدته بالبحث في الأسباب المحتملة لعقابه ويتسائل «لكنني لم أقتل، لم أسرق، لم أفعل أشياء كثيرة يفعلها الناس، لماذا أنا الذي يؤخذ بذنوبه؟ الله يعلم أنّني لم أكن أرتكب الفعل، ربما عشت على أفعال الآخرين».