مع اقتراب الذكرى الستين للنكبة، تبدو القضية الفلسطينية حاضرة بصورة متزايدة في الدراما السورية: بعد «التغريبة الفلسطينية» لحاتم علي، و«الاجتياح» لشوقي الماجري... ها هو أحمد دعيبس يصوّر «أولى القبلتين»، بينما يستعدّ باسل الخطيب لسرد تاريخ «القدس» بين عامي 1917 و1967
منار ديب

قبل الدراما التلفزيونية، كانت السينما السورية سبّاقة إلى تناول الموضوع الفلسطيني. وبدأ الأمر مع سينما القطاع الخاص التي قدّمت عدداً من الأفلام الخفيفة، مستفيدةً من المناخ الحماسي الذي صنعه تصاعد المقاومة الفلسطينية بعد هزيمة 67. هكذا ظهر فيلم «الفلسطيني الثائر» (1969) لرضا ميسر، و«ثلاث عمليات داخل فلسطين» (1970) لمحمد صالح كيالي، و«فدائيّون حتى النصر» (1971) لسيف الدين شوكت. أما سينما القطاع العام ممثلةً بالمؤسسة العامة للسينما، فقد أولت القضية الفلسطينية اهتماماً كبيراً. ونجد أن معظم أفلام السبعينات من القرن الماضي تتمحور حول هذا الموضوع، من «ثلاثية رجال تحت الشمس» 1970 للمخرجين نبيل المالح، ومروان مؤذن، ومحمد شاهين، عن رواية غسان كنفاني التي ستنتجها المؤسسة من جديد تحت عنوان «المخدوعون» (1972) مع المخرج المصري توفيق صالح وممثلين سوريين، إلى «السكين» (1972) أيضاً للمخرج خالد حمادة عن رواية كنفاني «ما تبقّى لكم». وسيحظى الكاتب نفسه بالاهتمام في العقود التالية مع «عائد إلى حيفا» (1982) للعراقي قاسم حول، و«المتبقي» (1995) للإيراني سيف الدين داد، وقد قام ببطولته جمال سليمان مع عدد من النجوم السوريين. وستجد رواية كنفاني «عائد إلى حيفا» الطريق إلى التلفزيون مع مسلسل للمخرج باسل الخطيب بالاسم نفسه في عام 2004. أفلامٌ أخرى من إنتاج مؤسسة السينما عرضت للهمّ الفلسطيني وتجربة النكبة كـ«كفر قاسم» (1974) للبناني برهان علوية، و«الأبطال يولدون مرتين» (1977) لصلاح دهني. وبعد ربع قرن، سيؤدّي ممثلون سوريون الأدوار الرئيسية في الفيلم الكبير «باب الشمس» للمصري يسري نصر الله عن رواية الكاتب الياس خوري. وتبقى فلسطين حاضرة في أعمال السينمائيين السوريين المعاصرين، كما في «الليل» لمحمد ملص، إذ مثّلت روح هذا الفيلم. إضافة إلى أفلام عبد اللطيف عبد الحميد التي لا تخلو من الإشارات إلى فلسطين في سياق تصويرها لتأثير الحروب العربية الإسرائيلية على الناس البسطاء.
التجربة الدرامية الأولى التي أفردت للموضوع الفلسطيني، كانت مسلسل «عز الدين القسام» (1981) من تأليف أحمد دحبور وإخراج هيثم حقي، وإنتاج دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية وتلفزيون قطر. ويصور المسلسل الملحمة الكفاحية للقسام المجاهد السوري الأصل، وقد أدّى دوره الفنان أسعد فضة. وستنتظر الدراما السورية حتى عام 1994 لتقدم مسلسل «نهارات الدفلى» الذي كتبه الشاعر الفلسطيني الراحل فواز عيد، وأخرجه أحمد زاهر سليمان. وعلى رغم خصوصية موضوعه، لم يلفت العمل الأنظار حينها. وبعد حوالى عقد من الزمن، سيقوم المخرج الفلسطيني ـــــ السوري باسل الخطيب بإنجاز مسلسل «الشتات» (2003) لمصلحة تلفزيون «المنار». وهو يعرض لمسيرة الحركة الصهيونية، لكنه يستفيد من مصدر غير موثوق به كـ«بروتوكولات حكماء صهيون»، ما أوقعه في مشكلات وحدَّ من عرضه. ولا نزال نذكر الأزمة التي أثارها العمل بين الأردن وإسرائيل بعد إعلان إحدى القنوات الأردنية الخاصة نيتها عرض المسلسل، وقد انتهى الأمر إلى إيقاف العرض. الخطيب سيعاود الكرّة في السنة التالية مع «عائد إلى حيفا» بطولة سلّوم حداد (يعرض حالياً على قناة «الديرة»). ثم «عياش» عن المهندس يحيى عياش أحد قادة المقاومة في قطاع غزة، وهو من تأليف ديانا جبور وبطولة سامر المصري، لكنّ هذين العملين لم ينالا فرص عرض جيدة، ولم يشفع لهما الموضوع، ليحوزا الإقبال الجماهيري رغم إعادتهما أكثر من مرة على عدد محدود من الفضائيات.
ثم جاء عام 2004 ليشهد عرضاً واحداً من أهم الأعمال الفلسطينية في الدراما السورية إن لم يكن أهمها، وهو «التغريبة الفلسطينية» (يعاد عرضه على mbc المغرب عند الساعة 17:00) للمخرج حاتم علي. وهو من تأليف وليد سيف الذي كان قد سبق له أن قدّم عملاً مشابهاً مع المخرج الأردني صلاح أبو هنود بعنوان «الدرب الطويل» ولم يحقّق نجاحاً يذكر. ويمتلك «التغريبة» خصوصية في عرضه لتجربة النكبة، وتجربة الاقتلاع واللجوء. لكنه أيضاً يرسم صورة شاملة، تبدأ من أعمال المقاومة المبكرة في فلسطين وينتهي إلى المصائر التي آل إليها الفلسطينيون في الشتات. كان «التغريبة» عملاً مدهشاً في قدرته على نقل حياة الفلسطينيين في بيئاتهم المختلفة بأمانة، وبعمل جَسور على أدق التفاصيل. كما كان ذكياً في خطابه، وفي قدرته على أنسنة الفلسطيني، وفي نقديته لمشكلات هذا المجتمع الذي ظل يقدم بصورة ذهنية ومعمّقة على الشاشة.
آخر الأعمال التلفزيونية الكبيرة التي عرضت لجانب من الرواية المعقّدة للألم الفلسطيني كان «الاجتياح» (2007) للتونسي شوقي الماجري، (تأليف رياض سيف، وإنتاج المركز العربي في الأردن). وهو يسرد نضالات الناس العاديين، خلال الانتفاضة الثانية، مركّزاً على عملية السور الواقي أو الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية في عام 2002. والمسلسل الذي لم تعرضه إلا قناة واحدة هي LBC، يمثّل نموذجاً لما تعاينه دراما القضية الفلسطينية في فرص العرض في هذه المرحلة.



أولى القبلتين

مشروع المخرج باسل الخطيب «القدس» الذي يروي سيرة المدينة بين عامي 1917 و1967، مؤجل حتى إشعار آخر. وذلك، على رغم إصرار الخطيب ـــــ الكاتب والمخرج ـــــ على إنجازه في أقرب وقت ممكن. لكن هذا المشروع تحول إلى مادة للسجال الصحافي، بعد إعلان شركة «زنوبيا» البدء بتصوير عمل بعنوان «أولى القبلتين» للكاتب بكر قباني والمخرج الأردني أحمد دعيبس، ويرى الخطيب، أنه فكرته الأصلية التي كان قد قدمها للشركة، وبانتظار تكشف أبعاد المسألة، يتابع فريق «أولى القبلتين» التصوير في صافيتا السورية. ويقدم العمل شخصيات تاريخية محورية كالحاج أمين الحسيني (يؤدّي الدور عبد الهادي الصباغ)، والقائد عبد القادر الحسيني (عبد الحكيم قطيفان)، والملك عبد الله، والمقاومين محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير، بمشاركة ممثلين سوريين كقاسم ملحو وريم علي.


أسماء لامعة

منار...

يقيم في سوريا اليوم ما يزيد عن الـ594 ألف لاجئ فلسطيني. واللاجئون الفلسطينون، على رغم توزّعهم على عدد من المخيمات في المحافظات السورية، فإنهم قد حققوا قدراً كبيراً من الاندماج في المجتمع السوري من دون أن يتخلّوا عن هويتهم الوطنية. وقد أتاحت الحكومات السورية المتعاقبة بما أصدرته من أنظمة وقوانين قدراً كبيراً من المساواة بين الفلسطينيين وإخوانهم السوريين. والحقل الفني، كأحد الأنشطة المهنية، كان منذ البداية مفتوحاً أمام الفلسطينيين السوريين. لذا أسهم هؤلاء فيه منذ وقت مبكر، ابتداءً من ممثلين روّاد كالراحل يعقوب أبو غزالة ولينا باتع، مروراً بالراحليَن يوسف حنا وصبحي سليمان، إضافةً إلى بسام لطفي وتيسير إدريس ونزار أبو حجر. وصولاً إلى الممثلين الشباب، ومنهم النجوم كرامي حنا وعبد المنعم عمايري، وجومانة مراد ونسرين طافش ونادين سلامة وإياس أبو غزالة وأناهيد فياض وديمة بياعة.
وفي الإخراج ظهر المخرج والممثل حسن عويتي، وباسل الخطيب، وبسام سعد، والمخرج الشاب المثنى صبح. إضافة إلى أن المخرج حاتم علي المتحدر من الجولان نشأ في مخيم للاجئين، لذلك لم تكن حساسيته غريبة عن التراجيديا الفلسطينية.
أما في الكتابة الدرامية فنجد وفرة في الأسماء الفلسطينية اللامعة، من أمل حنا وريم حنا، إلى حسن سامي يوسف، وهاني السعدي، وأكرم شريم الذي كتب أول الأعمال التي صورت البيئة الدمشقية «أيام شامية» 1992 مع المخرج بسام الملا! إلى أسماء متأخرة كعبد المجيد حيدر الذي قدم عدداً من الأعمال، والذي يعكف على تحضير عمل درامي عن ياسر عرفات.