سعد هادي صدرت رواية «التل» (دار المدى) لسهيل سامي نادر قبل أيام من الاحتلال الأميركي للعراق. وباستثناء نسخ قليلة، وصلت إلى أيدي النقاد والصحافيين، فانّ معظم نسخ الرواية أُحرقت أو أُتلفت في المطبعة ولم تصل إلى القراء في ظل الفوضى التي وقعت. إنّها الرواية الوحيدة لكاتبها بعد أربعين عاماً من العمل في الصحافة ومئات المقالات في السياسة والثقافة، لا سيما الفن التشكيلي. لم يُكتب عن هذه الرواية سوى القليل، لكنّ هذا القليل وضعها بين أفضل الروايات التي صدرت في السنوات الأخيرة، عراقياً على الأقل.
لكن هل تكفي رواية واحدة لتوضيح رؤية كاتب؟ يردّ نادر «لا تكفي إذا أردت أن تكون روائياً. لكني أردتُ أن أصنع رواية في وقت متأخر وعند الحافات القلقة وأقلق معها. لقد ورّطت نفسي بعمل صحافي منهك. عمري الآن 64 عاماً ولا أظن أنّ هناك وقتاً متبقيّاً لي». لماذا كتبتَ «التل» إذاً؟ يجيب: «لقد كتبتُ الرواية خلال اجتياح صدّام للكويت. شعرت بأنّ هذا الحدث سيدمّر العراق. على نحو ما، بدت لي الحرية أشبه بطائر يحوم فوق بلدي. من وجهة النظر السياسية، تطوّر حدث الاجتياح على نحو بدت فيه الحرية عند الأفق، لكنها لسوء الحظ لم تعمل مع أحزان وصلت إلى عظامنا وأنهكتنا. باختصار، كتبت «التل» مستوعباً جرأة جديدة حلّت في روحي». أما عن ظروف نشرها، فيضيف: «جاء نشر روايتي جزءاً من بنائها ودوافعها وهشيمها، فقد تزامن توقيتها للنشر بينما كنتُ أحسب الساعات إلى الحرب. وبالفعل ظهرت مطبوعة قبل ثلاثة أسابيع من قيام الحرب ولم توزع. إنّ بطل الرواية لا يظهر إلا متسائلاً. تلك مأثرته ومأثرة الرواية ذاتها». ما هو رأيك بها بعد كل الخراب الذي حدث؟ «أعتقد أنها نوع من الأثر. بطلي كان باحث آثار لم يحصل في النهاية على جائزته، لم يكن ثمة نبوءة في الرواية، أنا مَن كنت أتنبأ من خارجها بما سيحدث، وقد صنعت مواقيت خاصة لكي أهرب من أحداثها». لكن هل كان لا بد لهذه الرواية من أن تكتب؟ يقول إنها «تضم خبرة لغوية وروحية، فضلاً عن كونها ذكرى لأول اتصال لي مع رجال الآثار أثناء مرافقتي لهم صحافياً. لقد تعلمت منهم كيف يلعبون لعبتهم في الحفريات وفي الحياة».
على صعيد آخر، كتب سهيل عشرات المقالات عن الفن التشكيلي. وهو يرى أنّ لا صحافة في العراق الآن، فالجميع هم أدباء، وأدباء سيئون في الصحافة وغيرها. أما عن الفن التشكيلي فيقول: «لقد رحل التشكيل العراقي إلى الخارج، أرشيفه احترق، مئات اللوحات ضاعت من خلال التهريب والسرقة والحرق. فنانوه هاجروا إلى جهات مختلفة. إنّه مثل كل شيء. في العراق ذكرى، نحاول استعادتها من دون جدوى». بعد خمسة أعوام على الاحتلال، يرى سهيل أنّ لا أمل من قوى ما قبل الدولة التي أعاد الأميركيون إطلاقها من أسرها، لكن هل تعمدوا ذلك، يقول: «سواء تعمدوا أم لم يتعمدوا، النتيجة هي الخراب. أيديهم هي التي صنعته، وما بعده هي الحرب الأهلية والتفكك». ألا تستطيع الثقافة الإسهام في تقديم حل ما؟ يرد: «الثقافة لم تستشر في أي يوم من الأيام. إنّها خائفة ومتحذلقة ويائسة والمشكلة السياسية تتقدم عليه بكثير. وسيولّد الخراب كتاب خواطر وسجاليّين يقفون بين السياسة والثقافة والكثير من المذنبين». تجاه كل ذلك، هل أنتَ يائس؟ «لا أدري. على أي حال، أخطط لمغادرة جذرية تبعدني عن صدوع الوطن القديمة والجديدة». هل في ذلك إمكان لحياة أخرى؟ «لا أدري، أصدقائي في الماضي كانوا يلقّبونني بشيخ اليائسين. أمّا الآن فأنا مكرّس تماماً لليأس.