لأنَّ معظم اللبنانيين يلجأون إلى الاشتراك في مكتب توزيع القنوات الفضائية (الكابل)، يبقى التقاط القنوات الفضائيّة في لبنان من الطقوس الغريبة التي لا تخضع لأيِّ منطق أو قانون. والمشاهدون يبقون تحت رحمة موزّع «الاشتراكات» الذي يتحكّم في اختيار المحطات. غداة توقف تلفزيون «المستقبل» عن البثّ الجمعة الماضي، عمد بعض مالكي مكتب توزيع القنوات (الكابل) في الشمال إلى وقف بث «المنار»، otv وnbn في الشمال وحجبها عن مشتركيهم. وقد تفاوت الحظر بين منطقة وأخرى، بحسب الفرز السياسي للمناطق والأحياء، ليشمل في بعض هذه الأحياء القنوات المذكورة كلها أو بعضها، وفق الهوى السياسي لمالك المكتب أو مشتركيه. وأشار أحد موزعي «الكابل» في طرابلس إلى أنّ «إيقاف البثّ هو عبارة عن وقفة تضامنية مع إعلام «المستقبل»، نافياً أن يكون قد تعرض لأي ضغط من التيار». وأوضح مشتركون أنّ «المنار» غابت عن شاشاتهم أولاً، قبل أن تعقبها القنوات الأخرى، ومن راجع الموزع أتاه الجواب: «لن نسمح بإدخال «المنار» إلى بيوتنا قبل عودة المستقبل، ومن لا يعجبه فليشترك عند غيرنا». وفي القبّة، قال مالك إحدى شركات توزيع القنوات إنّ قسماً كبيراً من مشتركيه هدّدوه بإيقاف اشتراكهم إذا لم يحجب «المنار». وهو أمرٌ دفع بعدد كبير من المواطنين إلى شراء صحن لاقط خاص بهم لالتقاط بث القناة وغيرها، وعدم خضوعهم لأهواء وضغوط مالكي شركات التوزيع أو المشتركين. أما في أبي سمراء، فقد أعيد بثّ «المنار» عند الخامسة إلّا ربعاً من بعد ظهر أمس».
في المقابل، لم تواجه الضاحية الجنوبيّة لبيروت قرار المناطق الشماليّة بقطع القنوات الثلاث بالمثل، فكانت ردّة فعلها الأوّلية المحافظة على رأي الآخر، لمعرفة وجهة نظره. وبقي خيار الإلغاء أو منع بثّ القنوات التلفزيونيّة في المناطق تابعاً لرغبة موزّعي الكابل الشخصيّة.
وفي هذا الإطار، أكّد مسؤول شبكة «الضاحية سات» فضل حدرج أنّ بثّ قناتَي «المستقبل» و«العربيّة»، «مستمرّ في الضاحية ولن يتوقّف لأيّ سببٍ كان». لكن ثمّة من يسير على قاعدة «العين بالعين والسن بالسن»، كما يلفت موزّع الكابلات في حيّ السلّم حسن درّة، موضحاً أنّ «القرار يجابه بقرارٍ مماثل»، لذا، اتّخذ درّة قراراً شخصيّاً حاسماً يقضي بمنع «القناتين في المنطقة حتّى انتهاء المعركة... وربّما نهائياً، تجنّباً للفتنة التي تسبّبها القناتان»، على حد تعبيره.
وكانت المجموعة اللبنانية للإعلام «المنار» قد وزّعت عبر المدير عام قناة «المنار» عبد الله قصير بياناً رأت فيه أنّ هذا العمل «منافٍ لمبدأ حرية الإعلام والتعبير واعتداء صريح على خيارات الجمهور في مشاهدة القناة، داعية الأطراف السياسية كافة إلى تحييد الإعلام عن الأحداث الدائرة على الساحة. وفيما حمّل البيان قيادة تيار المستقبل مسؤولية ما جرى في الشمال، تمنى معالجة الأمر بالسرعة اللازمة منعاً لأي مضاعفات أو ردود مشابهة».
من جهتها، استنكرت إدارة محطة الشبكة الوطنية للإرسال (أن بي أن) الاعتداء والتصرفات غير المسؤولة، مطالبة نقابتي الصحافة والمحررين ووزارة الإعلام بالتحرّك الفوري لوقف هذه التعديات المتمادية التي تطال حرية الكلمة واتخاذ الموقف المناسب والإجراءات اللازمة بما يتيح عودة البث إلى المناطق المذكورة ومنع تكرار مثل هذه الاعتداءات».
وأصدرت المحطة بياناً أوضحت فيه أنّ «أنصار تيار «المستقبل» في الشمال عمدوا إلى قطع بث المحطة في طرابلس وعكار. كما حاولوا الاعتداء على أعمدة الإرسال العائدة للمحطة في طرابلس وعكار بغية منع وصول بثّ المحطة في هذه المناطق».
أما جورج حداد من قسم الأخبار في «أو تي في»، فأشار إلى أنّ «التعطيل جرى عبر المصادر (موزعي الكابلات) الذين تعرضوا لضغوط من مسلحي تيّار المستقبل المسيطرين على المنطقة»، مذكراً بـ«أننا وقفنا إلى جانب وسائل إعلام المستقبل ضدّ حجز الحريات الإعلامية».
(الأخبار)