بيار أبي صعبوكما يذكّر منظمو التظاهرة البيروتيّة تحت عنوان «سينما الفقدان»، فإن السينما الفلسطينية انطلقت في الستينيات أداةَ مقاومة سياسية، شأنها في ذلك شأن البندقيّة... قبل أن يبرز ابتداءً من الثمانينيات جيل مغاير، أخذ يتعامل مع السينما «كلغة إبداعيّة مستقلّة تخاطب العقل والوجدان معاً، وتتعامل مع الفقدان بوصفه موضوعاً وجودياً». أما الأفلام التي تعرض في بيروت، فهي: «عدوان صهيوني» (1972) و«ليس لهم وجود» (1973) لمصطفى أبو علي، «معلول» (1985) لميشال خليفي، «الناصرة» (2000) لهاني أبو أسعد، «استقلال، أو أسطورة» (2000) و«جنوب» (2008) لنزار حسن.
أما في تونس، فقد راهن المسرحي والمنتج الحبيب بالهادي على برمجة من نوع آخر، إذ اختار أن يقدّم أفلاماً عرفت عربياً وعالمياً على نطاق واسع: من ملحمة «باب الشمس» (٢٠٠٤) ليسري نصر الله إلى «يد إلهيّة» (٢٠٠٢) لإيليا سليمان، مروراً بشريطين لميشال خليفي هما «نشيد الحجارة» (١٩٩٠)، و«الطريق ١٨١» (٢٠٠٣) الذي حققه بالاشتراك مع السينمائي التقدمي الإسرائيلي إيال سيفان...
وإذا كان «باب الشمس» الذي اقتبسه المخرج المصري يسري نصر الله، بجزءيه، عن رواية معروفة للكاتب اللبناني إلياس خوري بالعنوان نفسه، هو العمل الذي يلتصق بالمناسبة بامتياز، في سرده ملحمة الشعب الفلسطيني في النكبة إلى الرمال المتحركة للحرب الأهليّة اللبنانيّة... فإن عودة إيليا سليمان إلى تونس، تمثّل نوعاً من «الانتصار» المتأخّر لهذا الفنان الشامل (سيناريو، تمثيل، إخراج) الذي يغرّد خارج سربه، وقد قارنه بعض النقاد بباستر كيتون (أو ناني موريتي) السينما الفلسطينيّة. فالكل يذكر كيف استُقبل فيلمه الأول «سجل اختفاء» (١٩٩٨) بكثير من العدائيّة غير المبررة في «أيام قرطاج». والأغلب أن الجمهور لم يكن ناضجاً حينذاك لتلقّي تلك التجربة المميّزة الآتية من عمق فلسطين.
يبقى ميشال خليفي، أحد أهم رموز الجيل الأوّل في السينما الروائيّة الفلسطينيّة. تعرض له CinemAfricArt التونسيّة، فيلماً على درجة من الخصوصيّة، هو «نشيد الحجارة» الذي صوّره في عزّ الانتفاضة الأولى. ويمزج فيه بين الروائي والتسجيلي، بين العامية والفصحى، من خلال قصّة حب قديمة حالت دونها الحدود والاحتلالات والسجون، يلتقي طرفاها بعد ١٥ سنة في قلب الانتفاضة الأولى (١٩٨٩).
ولعل نقطة الثقل في البرمجة التونسيّة، هي فيلم «الطريق ١٨١، أجزاء من رحلة إلى فلسطين/ إسرائيل» الذي حققه الثنائي خليفي ـــــ سيفان بطريقة مبتكرة (مدّته أربع ساعات ونصف الساعة). خلال صيف ٢٠٠٢، وطوال شهرين، سافر السينمائيان من جنوب فلسطين التاريخيّة إلى شمالها. وقد سلكا طريقاً تتّبع الحدود التي نصّ عليها قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، في ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧ (رقم ١٨١). وعلى طريقهما، يصوّران وقائع الرحلة ومشاهداتهما، ويصغيان إلى شهادات رجال ونساء من «ضفتي» هذا الجرح المفتوح منذ ستين عاماً.

CinemAfricArt
Tel +216 71 345 683
www.tunicine.net
مسرح بابل، بيروت : هاتف 01،744034