نوال العليلعلّها سابقة أن تُعيد مؤسسة إسرائيلية رسمية شيئاً ما إلى مواطن فلسطيني. وهي ليست أيّ مؤسسة، إنما أرشيف جيش الدفاع الإسرائيلي الذي قرر بعد أربعين عاماً إعادة ألبوم صور لزكي زعرور، ابن علي زعرور، أول مصوّر مسلم في تاريخ فلسطين.
وزكي زعرور هو أحد أبطال الفيلم الوثائقي «Yerushalayim, Jerusalem, Al-Quds» للإسرائيلي ليران آتزمور الذي عرض أمس على فضائية SBS في الذكرى الستين للنكبة ويجمع خيوط ثلاث حكايات، لا نعلم كيف تتقاطع الواحدة منها مع الأخرى. لكننا نعرف أن تاريخ 1948 هو القاسم المشترك بينها. ففيما عمل زعرور (1900 ـــــ 1972) في النكبة مصوّراً معتمداً للجيش البريطاني ووكالة AP، ثم أصبح مصوراً للجيش الأردني، كان المصور جون فيليبس في الفترة نفسها يعمل لمصلحة مجلة Magazine Life لتوثيق الحرب بين العرب واليهود، بالصورة. أما البطل الثالث في فيلم آتزمور، فهو جاك بودا، منتج أول فيلم إسرائيلي طويل «Hill 24 doesn’t answer» الذي عُرِض في مهرجان كان عام 1955.
ومن خلال تتبّع القصص الثلاث، يسترجع المشاهد الحرب من خلال رحلة البحث عن الصور. كما يتعرّف على كيفية تصوير الفيلم في القدس. إذ تروى الأحداث على لسان ثلاثة أجيال مختلفة: زكي ابن علي زعرور، وابن بودا الذي يصطحبه في عيد ميلاده الثاني والتسعين في رحلة إلى القدس. أما حكاية فيليب، فيرويها أحد أحفاد أخيه الذي تولى العناية به.
ولكن لماذا قرر أرشيف جيش الدفاع الذي يحوي أكثر من نصف مليون صورة ـ الآلاف منها من مصادر عربية ـ أن يعيد 324 صورة من أصل 380 إلى عائلة زعرور؟ قبل أيام، نشرت ديالا كابريل في «هآرتس» تحقيقاً مطوّلاً، تبيّن فيه أن أرشيف جيش الدفاع لم يكن يعرف من هو مالك هذه الصور، على رغم أن علي زعرور كان يطبع اسمه وختمه على الصورة من الخلف.
فُقد الألبوم في حرب الأيام الستة، بعدما تشرّد علي زعرور من منزله في قرية العيزرية، شرق القدس. ثم تبين ـ بعد كل هذا الزمن ـ أن صهر علي زعرور كان قد أخذ الألبوم من منزل العائلة، بعد حرب 67، وأهداه إلى صديق إسرائيلي. فعمد هذا الأخير طبعاً إلى تسليم الألبوم إلى «مؤسسة القدس» ليتم حفظه بين الوثائق، وارتأت الأخيرة نظراً لطبيعة الصور، أنها تخص أرشيف جيش الدفاع أكثر من أي جهة أخرى. واللافت أن زعرور كان ذكياً، يطبع من كل صورة أربع نسخ واحدة للجيش الأردني وأخرى للـAP وثالثة للأمم المتحدة ورابعة له. وقد ظل النيغاتيف في حوزته، حتى بعد سرقة الألبوم. لكنه لم يكن مهيّأً نفسياً لإعادة تظهير هذه الصور، كما يقول ابنه في الفيلم.
في الشريط، يستعين آتزمور برونا سيلا كباحثة ومستشارة للفيلم. وهي التي أقنعت زكي زعرور بعد حصوله على الصور بعرض شيء منها، فسمح بعرض عدد محدد واشترط أن يختارها هو.
وسيلا هي واحدة ممن رأوا صور فيليب وصور زعرور. وتؤكد أن المجموعتين متشابهتان، فكلتاهما تضم صور الضحايا والقتلى. لكن مجموعة زعرور تتميز بصور لمذبحة دير ياسين وأخرى لغولدا مائير مرتديّة الزي العسكري للجيش الأردني. إضافةً إلى صور الملك عبد الله قبل مقتله بوقت قصير. وانطلاقاً من الصور، تصف سيلا المصور زعرور بأنه كان رجلاً «يتنفّس الحرب».
أما قصة جاك بودا، فتركّز على كيفية تصوير فيلم «Hill 24 doesn’t answer» في القدس. ويروي الشريط تجربة أربعة جنود في الجيش الإسرائيلي خلال «حرب الاستقلال»، كما يسميها العمل. وهم أتوا إلى إسرائيل بمعتقد ديني وإيمان بالدولة والأمة العبرية.
يذكّرنا الفيلم بمعرض كان قد أقيم في القاهرة قبل أسابيع لمؤسسة الصورة العربية لفلسطين قبل 48، وبجهد سنتين في سبيل جمع خمسين مجموعة من الصور لا تصل في عددها لألبوم زعرور وحده. فماذا لو يصلح زعرور خطأ صهره، ويحذو حذو الإسرائيلي الذي رأى في الألبوم قيمة وطنية وتاريخية للدولة اليهودية، فيقدّم أرشيف الصور إلى مؤسسة عربية رسمية؟