مارون بغدادي (1950 ــ 1993) من المحظوظين الذين لم تلتهم الأحداث اللبنانية أفلامهم، أو تُهملها السنوات. ولـ «نادي لكل الناس» مجهود يُذكر في هذا الإطار، إلى جانب ما قدّمه لبرهان علويّة سابقاً، وما استطاع إنقاذه من أعمال كريستيان غازي الذي مرّ عام تقريباً على رحيله. من بين مجموعة الأفلام الروائية التي أصدرها النادي لبغدادي أخيراً، ظهرت مادة سينمائية نادرة ربّما كانت الوحيدة التي تظهر الكاتب ميخائيل نعيمة بالصورة والصوت. الصدفة وحدها أنقذت هذه النسخة.
كان بغدادي قد طلب من مصوّره ومساعده حسن نعماني، اقتطاع 15 دقيقة من فيلم «تسعون» (90 د) الذي يكرّم ويحاور الكاتب اللبناني في عامه التسعين، لاصطحابها معه إلى فرانسيس فورد كوبولا، خلال الفترة التي تدرّب فيها معه. تمّ عرض ما اقتطعه نعماني مرة واحدة على التلفزيون بعد عام على تصويره. يبدأ بغدادي من منزل نعيمة في قريته بسكنتا، ثم يصطحبه الى مدرسته والبساتين وأسواق بيروت المدمّرة وشاطئها. وهي لقاءات تمّ تصويرها عام 1977، بعد سنتين على اندلاع الحرب الأهلية. يحاور بغدادي نعيمة عن الحرب، عن جبران والله والإيمان، عن الاشتراكية، وحبّ الأرض.
عندما نسأل عن نسخة «تسعون» الكاملة، يجيب مدير «نادي لكل الناس» نجا الأشقر: «لم نجدها...» كالعديد من المواد الأخرى التي يمكنها أن تحفظ ذكريات بلد وطريقاً سينمائياً صعباً، حاول من سار به أن يعطي للسينما نكهة ولوناً مختلفين يشبهان البلد الذي تخرج منه هذه الصورة، وتشبه حكايات ناسه.
إلى جانب مادة نعيمة، هناك مجموعة مقابلات مهمّة أجرتها أكثر من قناة محلية وفرنسية مع مارون بغدادي. في هذه المقابلات، شرح بغدادي المنفى الذي اختاره لنفسه في العاصمة الفرنسية، وجهة نظره ومفهومه للسينما. شكا عدم قدرته على التعبير سينمائياً بحرّية في لبنان وعدم قدرته على التصوير والتنقل بسبب الحرب. كذلك، استعرض أكثر من تجربة خاصة بعد نجاحه المدوي في فيلم «خارج الحياة» الذي نال عنه جائزة النقاد في «مهرجان كان» عام 1991. في المقابلات، يتكلم بغدادي عن تجربته ومحطاته ورؤيته لإمكانات السينما في لبنان، إذ توثق أحلام وطموحات كبيرة، انتهت بسقطة قاتلة أنهت حياته عام 1993. من بين المقابلات، صدرت أيضاً في شريط بعنوان «أيام مارون flashback» مقابلة مع الكاتب الفرنسي ديدييه دوكوان الذي شارك مارون الكتابة في أكثر من فيلم. يحثّ دوكوان اللبنانيين على إخراج أفلام بغدادي الى النور وعرضها من جديد لأهميّتها ولما تحمله من نظرة سينمائية مختلفة. وإلى جانب هذه الشرائط، هناك وثائقي كتبه وأخرجه مروان خنيفر بعنوان «مخرج عند حدود الواقع» (17 د). يختصر الشريط مشوار بغدادي منذ الطفولة إلى السينما، ويتضّمن أرشيفاً عائلياً خاصاً ومقابلات مع ممثلين فرنسيين يتكلمون عن تجربتهم مع المخرج اللبناني.