بيار أبي صعباسمه قد لا يعني للجمهور العريض شيئاً، حتى داخل مصر للأسف. هكذا هو التاريخ: آباؤنا الحقيقيّون جنود مجهولون لا نعرفهم غالباً، لأنّهم انسحبوا من المعمعة بمكابرة هي مزيج من الأرستقراطيّة والرومنسيّة. لقد تركوا المسرح لمهرّجين مبتذلين وشهود زور، لأصناف من المرتزقة والسماسرة... أبطال الرواية الرسميّة التي نكتبها كلّ يوم بتواطؤاتنا الصغيرة، أبحروا مع التيار وعرفوا كيف يتنازلون للخطاب السائد ويساومونه. لكنّ المثقف والمناضل سعد كامل الذي انطفأ في القاهرة، من سلالة أخرى، نكاد نكتب منقرضة، لولا أننا هنا لنبحث في تاريخه الحافل والمشرّف عن أواصر قرابة أكيدة، منها تحدّرنا، وعلى أساسها نواصل الرحلة. في السجن أيام عبد الناصر، ممنوع من الكتابة في عهد السادات، الشيوعي الذي رفع صوته ضدّ السوفيات أيام ربيع براغ، تدين له مصر بـ«قصور الثقافة الجماهيريّة» التي قرّبت الثقافة من الناس خارج المركز، وفتحتها على الممارسة الديموقراطيّة. كان ذلك بعد خروجه من سنوات السجن الطويلة، أيام ثروت عكاشة في وزارة الثقافة. لكن المؤسسة الرسمية لم تحتمله طويلاً، فأقيل بعد النكسة.
من بيت «العم سعد» وماري روزنتال الكاتبة والمناضلة التي أصبحت نائلة كامل، تفوح رائحة عصر ذهبي يختصر مصر الكوسموبوليتيّة، كتب الشاعر يوسف رخّا في «الأهرام ويكلي» قبل سنوات. هنا كانت تناقش أشعار إيلويار وأراغون، في مجلس يرتاده صلاح جاهين وأحمد بهاء الدين وبهجت عثمان وسيد مكاوي وتوفيق صالح وفتحي غانم. وهنا صوّرت كريمته ناديا كامل بعض مشاهد «سلطة بلدي» («الأخبار» ــــ 21/4/2008). نادية وأمّها نائلة تحاولان، من المطبخ، إقناع الأب الجالس في كنبته المخمليّة قرب المكتبة، بصوابيّة قرار زيارة إسرائيل. كان الرجل صامتاً معظم الوقت. صامتاً ووحيداً، مثل «حارس المرمى عند لحظة البينالتي».