strong>بالأبيض والأسود. النكبة؟ بين مزدوجين... بعد 60 عاماً على الصراع، ها هي الصحافة الغربية تبشّر بزوال القضية الفلسطينية، محتفيةً بالصمت العربي... وقيام «دولة إسرائيل»
صباح أيوب
كـ«عيد» وليس كذكرى، كـ«احتفال» وليس كمجرّد تذكير... هكذا تعاطت الصحافة الغربية مع ذكرى مرور 60 عاماً على النكبة وتأسيس دولة إسرائيل. لم ترفرف الأعلام الإسرائيلية على مواقع الصحف الأميركية والفرنسية، كما رفرفت طيلة الأسبوع الماضي لغاية اليوم. مقالات احتفالية وصور مفرقعات زيّنت الملفات الخاصة التي أُعدّت مسبقاً لـ«المناسبة». تحليلات سياسية اجتماعية، وديموغرافية، وجيو ـــ سياسية، وإعلامية، وشهادات حيّة من داخل المجتمع الإسرائيلي لـ«درس واقعه، معاناته، مسيرته، نضالاته ومستقبله... إحياءً لولادة وطنية وقومية»!
العلم الفلسطيني؟ غائب. الشعب الفلسطيني؟ بالأبيض والأسود. النكبة؟ بين مزدوجين... بعد 60 عاماً من الصراع الإسرائيلي ـــ الفلسطيني، ها هي الصحافة الغربية تبشّر بزوال القضية الفلسطينية وتطالب «ما تبقّى من الدولة الفلسطينية ومن شعبها بضرورة تقبّل إسرائيل». حسم الإعلام الغربي، بثقة متناهية، النزاع الستّيني واختزل الصورة بأمر واقع، ليعترف بقيام دولة إسرائيلية و«يحتفل» بعيدها ويطرح أسئلة عن مستقبلها: دولةً ومجتمعاً وقوّة دولية فاعلة.
وسائل الإعلام اليمينية والمعروفة بخطّها المتطرّف الداعم لإسرائيل احتفلت علناً. أما الصحف التي تدّعي الوسطية أو حتى اليسار، فوقعت في فخّ الانحياز المبطّن والسرور المتخفّي في طيّات مقالاتها وتحليلاتها وشبه غيابها التام عن القضية الفلسطينية.
عبارة «60 سنة» (بالأسود الغامق Bold) «ومضت» في صفحات «نيويورك تايمز»، مشيرة إلى مقالات تضمّنت مواضيع ميدانية وآراء لكبار المحللين السياسيين والاجتماعيين الأميركيين والإسرائيليين. اغتنم اللوبي الإسرائيلي الفاعل في الإدارة الأميركية الفرصة الذهبية، ليمرر رسائله المتطرّفة عبر أكثر الصحف قراءة في أميركا. عنواين مثل «بعد ستين عاماً، العرب في إسرائيل هم دخلاء»، أو «فشل إسرائيل في خلق روح الانتماء (إلى الدولة الإسرائيلية) عند العرب» أو غيرها من المواضيع التي تناولت تراجع الوجود الفلسطيني/ العربي في وجه الدولة الإسرائيلية: أرقام ونسب وصور، وخرائط تبيّن «علمياً» وميدانياً توسّع الدولة الإسرائيلية ونمو قوتها. أما «اللوم» أو «العيب» الوحيد الذي وجّهته الصحيفة للدولة اليهودية فجاء على لسان أحد المحافظين الجدد من الصحافيين وهو وليم كريستول. هذا الأخير انتقد في مقاله، الدولة الإسرائيليّة لتقصيرها في التوسّع وإثبات وجودها أكثر فأكثر في الشرق الأوسط والعالم. ووصف حالتها اليوم بـ«الجسم المتعفّن المتجه إلى إلغاء نفسه»، داعياً الصهاينة للالتفاف بشكل طارئ بهدف إعادة إحياء إسرائيل. ولم ينس كريستول في ذروة مناجاته تلك، أن يذكّر اليهود والإسرائيليين بـ«حظّهم السعيد لوجود دولة كأميركا تدعمهم وتساعدهم للدفاع عن أنفسهم».
الوضع لم يكن أقلّ تطرّفاً في«واشنطن بوست»، على رغم محاولتها إضافة تنوّع في الآراء وإشراك «الآخر» في التعبير. الصحيفة خصّصت المدوّن الحواري الذي يشرف عليه دايفد أغناتيوس وفريد زكريا في تعاون بين «واشنطن بوست» و«نيوزويك»، وهو يسمى «بوست غلوبل» Post Global لمناسبة «بلوغ دولة إسرائيل 60 سنة». لذا، جاء السؤال المطروح للحوار: «هل ستشهد إسرائيل على مئويتها؟». وقد استدرج السؤال الكثير من المحللين السياسيين والصحافيين من إيران، وباكستان، وإسرائيل والولايات المتحدة. أجاب كل منهم، فبرزت الآراء المشجّعة والداعية لاستكمال الطريق والخطة التوسّعية الإسرائيلية والمطالِبة «بضرورة تقبّل العرب لإسرائيل». أما الصحف والدوريات الأميركية التي تصنّف نفسها كوسطية أو حتى في بعض الأحيان في اليسار الأميركي، كصحيفة «ذي نايشن» The Nation فلم يغب عنها طابع الاعتراف بـ«إنجاز» الستين سنة على إنشاء إسرائيل. ولكنها (أي المجلة) ذكرت، على الأقلّ، «قضية الشعب الفلسطيني» و«المجتمع الفلسطيني» و«الصراع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي». إذ ركّزت على الوجه الاجتماعي للصراع، وذلك عبر مقالات ميدانية وصفت كيف أثّر صراع إسرائيل مع الفلسطينيين والعرب في الحياة الاجتماعية بأصغر تفاصيلها عند الطرفين المتنازعين. المجلّة التي خصصت غلافها للمناسبة/ الذكرى بعنوان «تأمّلات في 60 سنة على تأسيس إسرائيل»، طغى على مقالاتها مساهمات من صحافيين إسرائيليين. ووصفوا الانقسام الاجتماعي في إسرائيل، وتأثير المتطرفين اليهود، ومعاناة المجتمع الإسرائيلي من طول فترة النزاع المستمر مع فلسطين وبعض الدول العربية. إضافة إلى شهادات من جنود إسرائيليين عبّروا عن العقيدة الدفاعية التي تنشأ مع الشباب الإسرائيلي منذ صغر سنّهم، وعن تجاربهم وآرائهم في أزمة غير محددة الأفق... هناك مساهمة واحدة من فلسطين تحدّثت عن وجوب وجود النيّة عند الفلسطينيين أنفسهم في حلّ الصراع والعمل من داخل المجتمع الفلسطيني على إيجاد الحلّ... إشراك فلسطيني متواضع جعل محاولة الـ«نايشن» في اعتدالها، تبدو أعمق في تفكيك قضايا المجتمع الإسرائيلي وفهمها من محاولة التقرّب من المجتمع الفلسطيني.
فرنسياً، أضافت الصحف المحلية ملفاً جديداً على شهرها الحافل بالمناسبات (ذكرى ثورة أيار 1968، ومتابعة الانتخابات الأميركية...). لكن النبرة الاحتفالية بقيت الميزة التي تكررت في الصحف اليومية مثل «ليبراسيون» و«لو فيغارو» التي أبرزت فيها عنواين مثل «محطات في تاريخ الدولة العبرية ونشأتها»، و«إسرائيل تستعرض قوتها في عيد ميلادها»، و«إبداع إسرائيل في مجال التقنية البيولوجية»، و«كيف ساعدت فرنسا إسرائيل في صناعة القنبلة»... مع تسجيل مقال وحيد يتناول فلسطين بعنوان: «الدولة الفلسطينية تبقى مرسومة بالنقط» (!). ولاستكمال الديكور الإسرائيلي، لا بدّ من بصمة تجارية: إذ أضافت تلك الصحف في زاوية خاصة تبرز في ختام كل مقال بعض الـ«وصلات» الترويجية لمواقع إلكترونية سياحية، وصناعية، وتجارية إسرائيلية.
أما الاختلاف فيسجّل للجريدة اليسارية L’ Humanite التي بان مكتوبها من عنوان الملحق الخاص (8 صفحات) الذي أصدرته أوّل من أمس: «إسرائيل عمرها 60 سنة»، «إسرائيل، الحلم المصدّع». تضمّن الملحق مقالات ميدانية تناولت: الهوية الصهيونية في الـ2008، الأفكار المتناقضة بشأن المحرقة، دور الإعلام الإسرائيلي والعالمي وحرية الصحافة، الكيبوتز (المستوطنات) اليهودية، الجيش الإسرائيلي، ولكن أيضاً: القرى الفلسطينية التي أزيلت عن الخريطة، واللاجئين الفلسطينيين، وماذا يعني أن تكون إسرائيلياً لفلسطينيي إسرائيل؟ وأين هم فلسطينيو الـ48 وكيف يعيشون اليوم نكبتهم بعد 60 عاماً؟
مجلتا «لو موند ديبلوماتيك» و«ماريان» تناولتا الذكرى بهدوء وبرودة اتخذ شكل السرد التاريخي (ماريان)، ومقابلة مع مصطفى البرغوثي (لو موند ديبلوماتيك) بعنوان «من أجل مقاومة شعبية غير عنفية ضد إسرائيل».