أحمد الزعتري في بداية القرن العشرين، وفي الوقت الذي قدّم فيه الأخوان رايت طائرتهما، وآينشتاين نظريّة النسبية، وظهر أول بث للراديو، وبدأ الجاز في نيو أورليانز، تخيّل المنظِّر الأوّل للموسيقى الإلكترونية الإيطالي لويغي روسّولو، موسيقى تَنتج من علب تصدر ضجيجاً بشكل آليّ. بعد ذلك، تحقّقت أمنية روسّولو مع اختراع آلة Telharmonium، وهي أشبه بـ«كي بورد» يحوِّر النغمات الصادرة عنه ويحوّلها إلى أصوات خارجة على العلامات الموسيقية في النوتة، أي يحوّلها إلى ضجيج آليّ.
واليوم، تحتضن عمّان أمسية للموسيقى الإلكترونية بعنوان 100 Live يتشارك في تنظيمها عدد من المؤسسات المستقلّة مثل «مكان» وOrangeRed. في حديقة «المتحف الوطني للفنون الجميلة»، ستجتمع تسع فرق موسيقية من الأردن ومصر وبريطانيا لتقديم هذا النوع الموسيقي و... ارتجال الضجيج! علماً بأنّ هذا المشروع بدأ العام الماضي بحفلة أقيمت في القاهرة، قدّم خلالها موسيقيون عرضاً تفاعلياً بسبعة مشاهد موسيقية ترافقت مع الرسم الحي. ومُزج ذلك مع عروض فيديو لعدد من الفنانين. بعد ذلك، قرر مؤسس المشروع محمود رفعت، التعاون مع موسيقيين في الأردن ومصر لتقديم عروض في القاهرة والاسكندرية وعمّان هذا العام. يقول أحمد صباغ، منفّذ العرض البصري لفرقة 9th Circle الأردني: «الموسيقى الإلكترونية موجودة في الغرب منذ زمن، لكنها غريبة في البلاد العربية. وهي تهدف، برأيي، إلى إنتاج أصوات جديدة من خلال الارتجال بأداة العصر: أي الكمبيوتر. أما العرض البصري المرفق، فهو جزءٌ من العرض الموسيقي. وقد قمت بتجميع صور ومشاهد من أفلام لأقوم بمزجها مباشرة في العرض وبشكل ارتجالي أيضاً.. وهذا هو الممتع في الأمر». تجارب الموسيقى الإلكترونية لا تلقى أذناً (إلكترونية) مصغية، في البلاد العربية بشكل عام، حيث يقتصر انتشار ذلك الاتجاه التعبيري على أبسط أنواعه، أي الـ Techno التي تعمد إلى تكرار الإيقاع الإلكتروني مع أصوات إلكترونية مصاحبة في الخلفية... هناك بعض الاستثناءات التي ازدهرت في لبنان، إضافةً إلى تجارب نوعية استوحت ذلك التوجّه، من ظافر يوسف إلى كاميليا جبران، مروراً بتجربة غير مكتملة لعازف العود اللبناني زياد الأحمدية. لكن الأمر أعمق من مجرد نشر ضجيج آليّ. فلدى النظر بعمق إلى هذه التجربة، يمكن اكتشاف حالة افتراضية للتفلّت من القيود، فالفرقتان الأردنيتان Cow Boys from Jordan و 9th Circle تأسّستا خصيصاً لهذا العرض، فيما الموسيقى الإلكترونية ــــ بشكل عام ولدى هاتين الفرقتين تحديداً ــــ هي «غير ميلودية» كما يلفت عازف العود أحمد بركات. ويضيف هذا الأخير موضحاً: «الأصوات الموسيقية الصادرة لا تتقيّد بالسلالم الموسيقية، ما يمنح الموسيقي والمتلقّي تحرراً، ويعزّز النزعة الفوضوية... من خلال نشر الضجيج في المحيط (أو موسيقى الـ Ambient)، وهو نوع موسيقي يندرج في خانة الموسيقى الإلكترونية». في عام 1952، ألّف أحد روّاد الموسيقى التجريبية جون كيج 33’4 وهي مقطوعة من ثلاث حركات صامتة في 4 دقائق و33 ثانية. وهو قام هنا بإفراغ النوتة من نصف العلامة الموسيقية ونذرها إلى نصفها الآخر: أي الصمت وتردّده في محيط القاعة. وقد تحوّلت إلى أكثر مقطوعة إثارةً للجدل. كيج ألّف أيضاً مقطوعات من رمي نقود معدنية على الأرض، تقطيع خضروات وعصرها في معصرة كهربائية وغيرها. وهذا ما يدفعنا إلى القول إنّ هذا النوع من الموسيقي ليس حكراً على الشباب فقط، فهو ببساطة أكثر صوت يلائم عصرنا ويحاكيه. ولعل الإنسان المعاصر يجد عزاءه في كلمات سيرين الأحمد التي كتبت كلمات مقطوعتين لفرقة Cow Boys from Jordan «لو كنتُ نصف آليّ لكان في رأسي ذاكرة اصطناعية... أريد قلباً إلكترونياً، وزرَّ تشغيل خفياً لأكون هنا متى أشاء... أحتاج مزيداً من الكهرباء».

100Live مهرجان الموسيقى الإلكترونيّة: الرابعة من عصر اليوم ـــــ حديقة المتحف الوطني للفنون الجميلة، عمان
www.makanhouse.net / www.nationalgallery.org