هيثم خزعلفي صالون الحلاقة الواقع خلف سوق الخُضَر في مدينة العباس (حيّ السلم)، وقبل عام تقريباً تكوّنت بالصدفة نواة فرقة موسيقية باتت اليوم فرقة شبه مكتملة تعزف وتتمرن بين المقصّات وعدّة الحلاقة!
دخل أمير عيسى، الشاب السوري (41 عاماً) خريج المعهد العالي للفنون في حلب، لأول مرّة الصالون ليس ليقصّ شعره بل لأنه لم يقوَ على مقاومة صوت العزف المنبعث من المكان. كان حسين يوسف ( 32 عاماً) يعزف على آلة البزق حينها، وعندما دخل أمير إلى صالونه دون سابق معرفة ودون سلام أو كلام أدرك صاحب الصالون أن أمير ليس زبوناً بل عازف، فسلّمه الآلة وأبدع أمير في إطلاق احترافه عليها. كان هذا اللقاء نواة لتأسيس فرقة موسيقية ستستمر في التوسّع وتشمل محبّي الموسيقى من مختلف الأعمار، فكل من يهوى الموسيقى مرحّب به هناك.
صالون الحلاقة بات مقر لقاء أعضاء الفرقة الذين يلتقون مساء كل يوم، لتستمرّ جلساتهم نحو ساعتين. هم لا يلتزمون برنامجاً محدّداً، يعزفون ما يخطر لهم من ألحان تتنوّع بين الطرب العربي والفولكلور اللبناني أو العراقي أو البدوي.
و«فنانو الصالون» محبطون لما آل إليه مستوى الفن الرائج في لبنان، وهم يؤكّدون أنهم رفضوا عروضاً لتأليف أناشيد حزبية ودينية رغم أحوالهم المادية الصعبة، إلّا أنهم يرفعون شعار «بدنا نغني لنغني» وجلّ ما يحلمون به أن يصل فنهم إلى كل الناس.
لا يبحث أعضاء الفرقة عن الشهرة أو المال، يحيون الحفلات لأصدقائهم فقط. موسيقاهم تجذب المارة، ولكل واحد منهم قصة يرويها...
مشعل الطحان (27 عاماً) حدّاد السيارات هو أيضاً «فنان شامل» يجمع بين عزف الناي والمجوز والمزمار، كما أنه عازف إيقاع ومغنٍّ ومونولوجيست. يروي مشعل حكايته مع الناي الذي عشقه صغيراً، فكان يهرب من البيت ليجالس جار أهله عازف الناي لساعات. لم يفلح ضرب الوالد لمشعل بعد ثقبه رجل الكرسي الحديد في منعه من محاولة صنع نايه الأول، فما كان منه إلا أن ثقب قسطل «المدفأة»، وضربه أبوه مجدّداً. وبعدما علم الجار بالحادثة أهدى الصبي نايه الأول. الشاب الذي التقى حسين صدفة في أحد الأعراس أضحى بفضل الموسيقى أعزّ أصدقائه وعضواً في الفرقة التي تأسست قبل عام تقريباً.
الموسيقى الصادرة من اللقاء الأول للفنانين الثلاثة في صالون حسين جذبت حسين حسن الملقب بالخال (57 عاماً)، دخل الصالون راقصاً قبل أن يعرّف عن نفسه. صار الخال وهو شيخ من مشايخ الدبكة في بعلبك يتردّد بشكل يومي إلى صالون حسين.
وحجزت ربابة حسين المصري (68 عاماً) له مكاناً بين فناني الصالون. وهو بسنينه الستين وخشونة أنامله التي لا تحنّ إلّا على وتر الربابة لم يعد يقوى على حمل ربابته لأكثر من ربع ساعة.
عندما ينتهي العزف يتفرق العازفون، وتبيت آلاتهم في الطابق السفلي من صالون الحلاقة. في هذا الصالون، يحاول حسين و أصدقاؤه رغم صعوبة ظروفهم أن يرسموا بفنهم وجها آخر من وجوه الضاحية الجنوبية لبيروت.