ينبغي أن نضع اسمين آخرين إلى جوار اسم غسان زقطان، ليتسنّى لنا الحديث عن واحدة من أخصب فترات التجديد والابتكار، والبحث عن الخصوصية في هذا الشعر. زكريا محمد ووليد خازندار هما الطرفان الآخران في هذا الثالوث الشعري الفلسطيني الذي حاول أصحابه، كلٌّ بطريقته ومزاجه، الخروج من المشهد العمومي لشعر ظلّ، لوقت طويل، يُعامل بوصفه ترجمةً مباشرةً وفورية للقضية والنضال والمقاومة.تطور الشعر الفلسطيني كثيراً، لكنّ النظرة المسبقة إليه أسهمت في طمس معالم هذا التطور. إحدى نتائج هذا الطمس تمثّلت في التركيز على نتاج محمود درويش وحده باعتباره خلاصة هذا الشعر، ورمز قضيته المقدسة معاً. ومع ذلك، نادراً ما استقبل هذا النقد التطورات والمنعطفات التي اعترت شعر درويش نفسه.
في تجارب الشعراء الثلاثة، ثمة ميل إلى لغة تتخفّف من التفجّع العاطفي والحنين المائع والتهويم البلاغي. لغة دقيقة ومنضبطة مع موضوعات القصائد. فلسطين ليست غائبة، لكنها تحضر بحسب متطلبات هذه اللغة ومزاجها.
أما الأمر الأهم، فيتمثل في تجاوز هؤلاء الشعراء للإطار الضيّق الذي وضعتهم فيه القضية، والنقد الذي حصر نتاجهم بها. ما يكتبه الشعراء الثلاثة اليوم يتجاور مع أهم إنجازات الشعر العربي في حقبة السبعينيات وما تلاها. إنه شعر أوّلاً وأخيراً، ويقف على قدم المساواة مع أهم الأصوات الشعرية العربية. وإذا وضعنا جنسيات الشعراء جانباً، سيكون سهلاً، بل ضرورياً، أن نقرأ هذا الشعر إلى جوار ما كتبه اللبناني بسام حجار والأردني أمجد ناصر والسوري نوري الجراح والعراقي رعد عبد القادر والمصري عبد المنعم رمضان وغيرهم.