بقلم الشاعر سعدي يوسفبعد سنواتٍ خمسٍ من احتلالٍ يُرادُ له أن يستمرَّ خمسين عاماً (آنَ ينضَبُ النفطُ)، التفتَ الاحتلالُ إلى الإشكال الثقافيّ، بعد أن خُيِّلَ له أن الإشكالَ العسكريّ لم يَعُدْ على قائمةِ الإلحاحِ.
هكذا، انطلقت القوميساريةُ الثقافيةُ للاحتلال، ممثَّلةً بدار «المدى» وصندوقِها المضحك، الدوانيقيّ، في محاولةٍ بائسةٍ، لإخراسِ الثقافةِ الوطنيةِ، بثمنٍ لا أبخسَ منه، ثمنٍ يدُلُّ على الطبع الانتقاميّ، والمُذِلِّ، من لَدُنِ الجاهلِ، السياسيّ المحترِفِ، الذي يتولّى أمورَ «المدى» ...
ثمنٍ لم يجرؤْ حتى حكّامُ البلدِ السابقونَ على التلويحِ به.
■ ■ ■
إنه الانتقامُ الصريحُ!
لستُ أدري:
هل الصدَقاتُ هي السبيلُ؟
■ ■ ■
لكنّ ما فعلتْهُ قوميساريةُ الاحتلالِ الثقافيةُ، أعني دار «المدى»، كان مُحرِّضاً لفِعْلٍ مماثلٍ (لِصَدَقةٍٍ) من جانبِ مؤسسةٍ أخرى من مؤسساتِ الاحتلال:
الحكومة.
إذ تَمَّ الإعلانُ عن «مِنحةٍ»، (مَكْرُمةٍ؟) للمثقفين العراقيين، تقدِّمُها حكومةُ الاحتلال.
ألِلْمُؤلَّفةِ قلوبُهُم شَرعاً؟
المنحةُ، هذه، مثل سالفتِها، دوانيقيةٌ أيضاً، بل مالكيةٌ بامتيازٍ، لأن نوري المملوكي كان مرابياً بائساً في «السيدة زينب» من أرباض العاصمة الأموية، دمشق.
■ ■ ■
ما معنى الأمرِ كلِهِ ؟
ما معنى أن يتّفقَ طرفانِ من خدمِ الاحتلالِ على إجراءٍ واحدٍ؟
ما معنى أن يعمدَ الطرفانِ إلى مبدأ الرشوةِ والمَكرُمةِ والصدَقةِ؟
■ ■ ■
إنْ كان الحرصُ على المثقفين قائماً، فَلِمَ لا تُعتَمَدُ الصيَغُ المحترَمةُ؟
لِمَ لا يُشَرَّعُ (مثلاً)، قانونٌ للضمان الاجتماعي والتقاعدِ يستفيدُ منه المثقفون العراقيون؟
لِمَ يُكلَّفُ لصوصٌ محترِفون بـ«الإحسانِ» إلى مثقفي العراق؟
■ ■ ■
أنا أفهمُ الظروفَ القاسيةَ التي انتفعَ منها، وبِها، خَدمُ الاحتلالِ، بُغْيةَ إحكامِ الطوقِ على المثقفين العراقيين.
أفهمُ ذلك،
وأفهَمُ أيضاً أن الثقافةَ الوطنيةَ ستظلُّ تقاوِمُ !
لندن 27.05.2008