بيسان طيندخل إلى العرض فنُفاجأ بشخوص، نحار إن هم بشر أو أصنام. ممثلو لينا أبيض لا يأتون بحركة في البداية، حالة من الجمود تأخذنا إلى قلب المسرحية. هناك عند حافة نهر أو بحر 12 شخصاً من فاقدي النظر وطفل رضيع، جاء بهم كاهن عجوز من المأوى. كان دليلهم لنزهة أرادها للتمتع بآخر يوم مشمس قبل أن يأتي فصل الصيف. وفي وسط الغابة تركهم، زاعماً أنه سيأتي لهم بالمأكل والمشرب... وطال غيابه.
في حالة الجمود الأولى، وحدها الموسيقى تكسر الصمت الثقيل، يخترقها صوت ثلاث نساء من العميان يردّدن صلوات، الحركة بطيئة، التنقل قليل... كيف يتحرك العميان وهم في مكان لا يعرفونه؟ الخوف يسيطر عليهم، إنها تراجيديا الخوف حيث الانتظار هو الفعل الرئيس الذي تأتي به شخصيات المسرحية، إنهم ينتظرون ويشكون ويتذكرون... وأحياناً يبتسمون.
كتب ميترلينك هذه المسرحية قبل أكثر من مئة سنة (عام 1890)، إذاً عجوزه المنتظر سبق «غودو» في مسرحية صموئيل بيكيت. العميان يتوقعون أن يأتي «مخلصهم» عندما يأتي المساء، لكنهم لا يرون، فيدور نقاشهم عن الوقت... الوقت بطل بالطبع في هذه المسرحية. الوقت الذي يمكن تعريفه وفق توصيفات تبدل الضوء كما يتخيله العميان أو بحسب الذكريات. الكل واقف، جالس أو نائم في مكان واحد، الكل يتشارك الخوف، ردات الفعل متشابهة، لكن المجنونة والأعمى الذي يعاني من مشاكل في السمع مختلفان قليلاً، هي تروح وتجيء وتحضن رضيعها، وهو يأتي بحركات تدل على صعوبة الاستماع وعلى وجع. الصمت يطلّ بين الحوارات، وأصوات الطبيعة وحدها دليل العميان إلى وجود حياة حيث هم.
تبدو المخرجة أمينةً لنصّ ميترلينك، لكنها تقدّمه بعربية مبسّطة، بلغة أقرب إلى مفردات يومياتنا. أبيض التي خبرت العمل مع كبار المخرجين الفرنسيين كأريان موشكين، وتتلمذت على يد المعلّم الراحل Antoine Vitez، تنحاز إلى «ديموقراطيّتهم في العمل مع الممثّلين»، وتحترم حرية المشاهد في فهم العمل كما يريد. «العميان» مسرحيّة تحمل بعداً فلسفياً، تسمح بقراءات على مستويات عدة، وقد تكون السياسة حاضرة في أذهان الحضور في بيروت، «إذ لا يمكن أن نقطع الجمهور عن حياته اليومية» تقول أبيض، وفي المقابل ثمة جمل في العمل تأخذ المشاهد، تسحره كقول أحدهم «على المرء أن يتذكر أن يعيش» أو «أحياناً أحلم أنني أرى».
من «مهرج» محمد الماغوط (التي قدمتها أبيض العام الماضي) إلى «عميان» ميترلينك، تبدو النقلة مفاجئة كأنّه انتقال بين عالمين مختلفين من حيث اللغة المسرحية، والأسئلة المطروحة أو الهموم التي يتناولها كل عمل، والبعد السياسي لكل منهما... وإذا كان «المهرج» يحاكي وجعاً عربياً كبيراً، فإنّ اختيار «العميان» هو بالتأكيد مغامرة «خطيرة» في مدينة تعيش خضّات سياسية وأمنية، ولم يتصالح سكانها بعد مع المسرح. لكن أبيض تراهن على «المختبر الجامعي»، تقول إنّ هؤلاء الهواة سيصيرون من جمهور المسرح. وهي لم تتهاون بأي من عناصر عملها، حتى الماكياج جاء خلاصة تجارب متعددة استخدمت فيه أنواع متنوعة من المواد.

8:30 مساءً، حتى 2 حزيران (يونيو) المقبل ــــ «مسرح غلبنكيان»، جامعة LAU، بيروت: 01786464
www.lau.edu.lb