صباح أيوبولتبرير أفكاره، جمحت مخيّلة كارسانتي إلى حدّ تركيب سيناريو وديكور متكامل لمشهد القتل. وبملاحظة متحاذقة، يقترح كارسانتي أنّ بقعة الدم الموجودة على قميص الطفل ليست سوى خرقة قماش حمراء وضعت خلال الدقائق التي لم تصوّر فيها الكاميرا المشهد. وقد مثّلت هذه الدقائق التسع (التي لم يقوَ المصوّر على تصويرها، باعترافه لكونها لحظات المنازعة لدى الطفل) المادة الوحيدة التي بني عليها الشكّ. ويستكمل كارسانتي السيناريو الخارق، ملاحظاً أنّه فيما قال مراسل القناة أنديرلان إنّ «الطفل قد فارق الحياة» تسجّل الصور لقطة حيث يرفع فيها الطفل ذراعه «لينظر إلى الكاميرا التي تصوّره» فيتأكّد من انتهاء دوره! محمّد الدرة لم يمت إذاً.
لكن، في هذه الحالة، أغفل كارسانتي بقيّة روايته المشهدية... فلم يذكر أنّه عندما انتهى الدور المزعوم للطفل، سكتت البنادق (المحشوّة برصاص بلاستيكي على الأرجح) وتوقفت الكاميرات وأطفئت الأضواء ورفع الميكروفون من فوق رؤوس المقاتلين ونهض الطفل وتوجّه إلى مساعد المخرج الذي انتزع عن قميصه قصاصة القماش الحمراء وأرجعه سالماً إلى والده... فهذه هي النهاية «المنطقية» لسيناريو كارسانتي الذي جابه به القضاء الفرنسي وربح، على أساسه، الدعوى.
كارسانتي هو المثل الفرنسي الأكثر فجاجة من بين مئات الأصوات التي ارتفعت في فرنسا والعالم منذ عرض الفيلم المصوّر ونفت أن يكون محمد الدرّة قد قُتل برصاص إسرائيلي. ولكن قد يُفهم التشكيك الذي جاء من بعض المتطرفين الإسرائيليين الذين يبرِّر لهم انحيازهم الأعمى أقوالهم وحملاتهم تلك. لذا، لم نفاجأ بمطالبة «مكتب المحاماة الإسرائيلي القومي» بسحب بطاقات مراسلي «فرانس 2» ومنعهم من مزاولة مهنتهم في إسرائيل بحجة «تلفيقهم صورة الدرّة».... لكنْ أن يكون رأس الحربة في هذه القضية فرنسياً والمصادِق عليها «جمهورية حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية»، فهو أمر خطير. والأخطر أنّ القرار مرّ مرور الكرام في الأوساط الإعلامية الفرنسية، التي لا تزال، على ما يبدو، مشغولة باحتفالات الـ60 سنة على تأسيس إسرائيل!