حسين بن حمزةبعد أن ينتهي القارئ من تصفح العدد الجديد الذي خصصته مجلة «نقد» لأنسي الحاج، لا بد من أن يسأل نفسه: ما الجدوى من إصدار كهذا إذا كان المشاركون فيه سيكررون معظم ما يعرفونه عن تجربة الشاعر؟ أما السؤال الأهم فهو: متى يأتي الوقت الذي ينزل فيه النقاد للسباحة في قصائد أنسي الحاج وكتاباته، بدلاً من المكوث على الضفاف والحديث، من هناك، عن الأحشاء والأعماق؟ باستثناء بعض اللمحات القليلة المتناثرة هنا وهناك، لا يجد القارئ، في المقالات والأبحاث التي يحتويها العدد، ما يُضاف إلى السمات التي اتُّفق عليها في شعر أنسي. وهي سمات باتت أشبه بـ«الكليشيهات» لفرط ما ردّدها نقاد كسالى أو جهلاء.
أنسي الحاج رائد قصيدة النثر العربية. الشاعر الملعون. الشاعر الذي كسر البنية النحوية للجملة العربية... إلخ. طيب. كل هذا صحيح، لكن متى يأتي مَن يقول لنا إنّ ما سيحفظ هذا الشاعر من النسيان هو ما تحقق في ممارسته الشعرية؟ متى يأتي مَن يقلب معاني شعره واستعاراته على قفاها، ليرينا الألم الفريد والوحشة الممضَّة اللذين كُتب معظم هذا الشعر في ضوئهما الخافت؟ متى يأتي مَن يكشف ما سيعيش من شعره، وما سيُنسى؟
يتضمّن عدد يناير 2008 من هذه المجلّة الصادرة من بيروت لدى «دار النهضة»، والتي يرأس تحريرها الثنائي زينب عسّاف وماهر شرف الدين مجموعة دراسات، بعضها يعود إلى ما قبل الطوفان، يتصدرها نصّ للشاعر العراقي المشاكس عبد القادر الجنابي بعنوان «عندما قال الشاعر للجميع: لن». من كتّاب العدد عقل العويط وإبراهيم محمود وهايل الطالب وعلي حسن الفوّاز ونور الدين محقق... إضافة إلى شهادات حفنة من الشعراء الشباب من مصر وسوريا والعراق وعمان ولبنان.
ينسى معظم نقاد أنسي الحاج ــــ «كاتب العمود في جريدة «الأخبار» (التابعة لحزب الله بشكل من الأشكال)»، كما أضاف التحرير إلى شهادة محمد بركات ــــ أن الشاعر دعاهم أكثر من مرة إلى مصاحبة نبرته التي «تشفّت وصفت» بعد «لن». لكنّهم تركوه يذهب وحده، مفضِّلين العزف المتكرر على المفاجآت التي باغتهم بها في بداياته. اعترفَ لهم بأن ما سيخلِّد شعره موجود، بشكل أكثر وأصفى، في أمكنة غير التي يكررون تقليب تربتها، لكنهم واظبوا على ترديد النغمة التي حفظوها عن ظهر قلب.
أحد النقاد المشاركين في العدد، بدأ نقده حول ديوان «ماضي الأيام الآتية» بـ: «غزو العوالم الماورائية، في معنى تجاوز المعقول والمحسوس، رهان كتابي وحياتي، يؤكد إصرار الذات على الحياة الأبهى والأعمق، بكل بهائها وعنفوانها، والسعي نحو الأقاليم الأكثر شساعة، بواسطة الإصغاء إلى نداء الحضور، وإخراج العالم من تحجُّبه....». مشارك آخر لاحظ أنّ «الغيرة» تحضر في قصيدة «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع»، فـ«تحتل ركناً أساسياً في محور الحب. فهي تعبير إنساني ونفسي عن المشاعر التي تتولد داخل الذات، إزاء بعض أشكال التصرف التي يقوم بها الطرف الآخر، وتؤثر في تأجيج المشاعر. ويبدو من الصعوبة بمكان، أن يسيطر الرجل تماماً، على هذا الشعور...».
أنسي الحاج يستحقّ أكثر من هذا!