خليل صويلحيهدي صالح دياب أنطولوجيا الشعر السوري التي أنجزها بعنوان «نوارس سوداء» (منشورات البيت ـــــ الجزائر) إلى ثلاثة من روّاد قصيدة النثر في سوريا، هم خير الدين الأسدي وعلي الناصر وأورخان ميسر. هؤلاء الذين استشرفوا كتابة جديدة بنزوع حداثي واضح، كان منبعاً مبكراً لكل تجارب قصيدة النثر العربية.هذه المختارات الشعرية التي تقدّم 33 شاعراً، تنطوي على ذائقة شخصية تقصي كل ما هو خارج إطار منجز قصيدة النثر، و«تتوسل تقديم نماذج للأصوات الأكثر طليعية في الشعر السوري عبر أسمائها الأساسية، ولا تهدف إلى إجراء عملية مسح شاملة له». وجرى لغط كبير حول حذف الشاعر نوري الجراح واستبداله باسم آخر من دون موافقة المعدّ، لكننا لم نتلقّ حتّى الآن جواباً حول هذه المسألة من المشرف على المشروع الشاعر الجزائري أبو بكر زمال.
يتوقف صالح دياب أولاً، عند تجربة محمد الماغوط، ويعتبرها عتبة أساسية لمعظم التجارب اللاحقة في قصيدة النثر. هذه التجربة التي «تفلت من التصنيف الزمني لما تحمله من جماليات تعبيرية، جعلتها تصمد إلى اليوم»، نظراً إلى خصوصيتها لجهة اختبار الأحاسيس الذاتية التي تلامس الحاجات اليومية الملحة في صور شعرية حارة ونضرة... تلك الصور ما زالت تصدمنا بعذريتها ولا نستطيع أن نردها إلى مرجعية. إذ كان هدف الشعر لديه القبض على المشاعر البسيطة والمباشرة التي يعيشها الفرد على الضفة الثانية من اشتغالات شاعر مثل أدونيس وجد في الأسطورة والتاريخ والصوفية ملاذاً لتجربته التي تُعد هي الأخرى مرجعية للنص الرؤيوي المثقل بالرموز.
فتوحات الماغوط كانت هي الأخرى مفتاحاً لمنجز شعراء جيل السبعينيات، أمثال منذر مصري، ورياض الصالح الحسين، وعادل محمود، وبندر عبد الحميد. لدى هؤلاء ذهبت القصيدة إلى فضاء جمالي يقوم على تمجيد اليومي والاحتفاء به، وإلى تأكيد «أهمية الكلام الشفوي العادي، والانسحاب كلياً من البلاغة والفصاحة والجزالة». أما المنعطف الثالث في مسار قصيدة النثر في سوريا، فيتجلى في تجربة جيل الثمانينيات، هذا الجيل الذي انصرف إلى النفور مما هو عقلاني ورؤيوي، نحو شعرية مختلفة «تنطلق من أسس جمالية وتعبيرية، تنزاح عن قصيدة السبعينيات الشفوية نحو كتابة مختلفة، تجريبية في الدرجة الأولى، لتعيد النظر في أدواتها وبناها التعبيرية والأسلوبية، ومن ثم تدير ظهرها لكل ما هو منبري وخطابي وتحريضي نحو ما هو شخصي حميمي وخاص».
وتنتسب أصوات الثمانينيات وفقاً لتقسيمات صاحب الأنطولوجيا، إلى تيارين: الأول «يسهر على جماليات قصيدة السبعينيات من دون أي توسيع جذري لجماليات هذه القصيدة (لقمان ديركي، محمد فؤاد، حكم البابا...). أما التيار الثاني، فأولى الأهمية لعملية الاشتغال التصويري والدهشة المتوالدة عن الصورة الشعرية (عمر قدور، حسين بن حمزة، صالح دياب).
وفي قراءة التجارب النسائية في الشعر السوري، يتوقف دياب عند شاعرات مثل: سنية صالح، دعد حداد، مرام المصري، هنادي زرقة، ويلفت إلى أن هذه الأصوات تميل «إلى القبض على الجوهري في التجربة الشخصية»، وتذهب «إلى الجسد من دون استعراض».