خالد صاغيّةلم يتمكّن العلم حتّى هذه اللحظة، ولن يتمكّن في المستقبل، من اختراع «بارومتر» لقياس حال المجتمعات. لكن ثمّة مؤشّرات تساعد على ذلك. وإذا أردنا أن ننظر إلى الواقع اللبناني، فبإمكاننا الاستعانة بعدد من هذه المؤشّرات:
1ـــــ مؤشّر المرّ: خلال الحقبة السوريّة في لبنان، كان أحد العناوين الأساسيّة للمعركة السياديّة هو انتخابات المتن. وكانت الإشارة الأبرز إلى الإمعان في منع قيام دولة المؤسّسات هي وزارة الداخليّة التي قيل آنذاك إنّها نُقلت عملياً من مقرّها الرسمي إلى دارة آل المرّ في بتغرين. اليوم، بعد ثلاث سنوات على خروج الجيش السوري من لبنان، وبعد انتخاب رئيس جمهورية توافقي، عاد اسم المرّ ليُطرَح من جديد لوزارة الداخليّة.
2ـــــ مؤشّر سليمان: خلال الحقبة السوريّة في لبنان، علت بعض الأصوات اعتراضاً على انتخاب العماد إميل لحّود رئيساً للجمهورية. كانت الحجّة آنذاك أنّه قادم من المؤسّسة العسكريّة، وأنّ عقليّة العسكر لا تتلاءم مع السياسة. بعد الانسحاب السوري، وُجد من يقول إنّ العماد ميشال عون لا يصلح لرئاسة الجمهوريّة، لكونه ذا «جذور عسكريّة». منذ أيّام، صعد قائد الجيش إلى قصر بعبدا رئيساً توافقياً، بعدما ساد اقتناع في طول البلاد وعرضها بأنّ ميشال سليمان هو الشخص التوافقي الوحيد في هذه الجمهوريّة.
3 ـــــ مؤشّر السنيورة: سادت لفترة من الزمن نكتة واقعيّة: أدخل كلمة unelectable (غير قابل للانتخاب) على محرّك البحث «غوغل»، تحصل فوراً على سيرة حياة جورج دبليو بوش. في حقبة التسعينيات، لم يكن اللبنانيّون بحاجة إلى «غوغل» ليعرفوا أنّ كلمة unelectable تعني بالنسبة إليهم رجلاً يدعى فؤاد السنيورة. فقد كان وزير المال الأسبق، من دون أي شك، الشخصية السياسية الأقلّ شعبيّةً، لأسباب معروفة ومفهومة. اليوم، يعود السنيورة نفسه إلى رئاسة الحكومة للمرّة الثانية.
4 ـــــ مؤشّر الحدّ الأدنى: في التسعينيات، كان التضخّم مضبوطاً لدرجة كبيرة، لا اهتماماً بمصالح المواطنين بل خدمةً لأرباح المصارف. رغم ذلك، كانت الأصوات تعلو لتصحيح سلسلة الرتب والرواتب لتحسين المستوى المعيشي للعمّال والموظّفين. لم تلقَ تلك الأصوات أصداءً إيجابيّة. أمّا اليوم، فإنّ تصحيح الأجور الذي أُقرّ (ولم يُنفَّذ) باتت قيمته أدنى بكثير من ارتفاع الأسعار الجنوني والمصطنع.
5 ـــــ مؤشّر الدين العام: حين بدأ لبنان بالإسراف في الاستدانة، كان رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري يقول إنّه لا داعي للقلق ما دامت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي لم تبلغ بعد 100%. اليوم، تفوق هذه النسبة 170%، ولا أحد يشعر بالقلق.
6ـــــ مؤشّر المجتمع المدني: غالباً ما كان اللبنانيون يشتمون «الطبقة السياسية» التي يحمّلونها مسؤوليّة عِلل البلاد كلها. في التسعينيات، راجت موضة المجتمع المدني الذي ادّعى القدرة على حمل قيم مختلفة. شمّر مثقّفون عن سواعدهم، وانتشرت الجمعيات المدنيّة كالفطر. اليوم، من يرد فعلاً أن ينظر إلى الجانب التافه من الحياة السياسية، وإلى مساعي إلغاء أصحاب الرأي المختلف، فعليه أن ينظر باتّجاه المجتمع المدني.
7 ـــــ مؤشّر الطائف: ينصّ اتّفاق الطائف الذي أقرّ عام 1989 على أنّ «إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وعلى مجلس النواب المنتخب تأليف هيئة وطنية... مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية». الخطّة المرحليّة أُنجزت بنجاح كبير بعد مرور نحو 19 عاماً.