معه تجدّدت موسيقى السالسا ولم «تخسر نفسها». الفنان الذي خلف روبن غونزالس على البيانو في فرقة «بوينا فيستا» الأسطوريّة، سيكون في الميوزيكهول بعد أيام. أمسيته تعلن ولادة «مهرجان موسيقى العالم» بالتعاون بين كريم غطّاس وميشال إلفتريادس
بشير صفير

وُلدَ في بيروت همٌّ موسيقيٌّ جديد إذا جاز التعبير: إنّه مهرجان «ليبان وورلد» الذي نتج من ضمّ خبرات كريم غطاس مؤسّس «ليبان جاز»، والمنتج الموسيقي ميشال إلفتريادس (راجع البرواز). المهرجان الجديد سيُعنى بتنظيم حفلات World Music أي موسيقى العالم (أو موسيقى الشعوب التراثية)، ذاك النمط التي انتشر في لبنان بكثافة، وخصوصاً بعد الحرب الأهلية. المهرجان الذي سينظّم أربع حفلات في السنة أعطى أوّل مواعيده مساء الثلاثاء المقبل في الـ «ميوزيكهول» مع الموسيقي الكوبي روبرتو فونسيكا، عازف البيانو الجديد في الفرقة الأسطورة Buena Vista Social Club.
قبل الكلام عن فونسيكا وحفلته البيروتية التي سيقدّم خلالها ألبومه الأخير Zamazu ، لا بد من الإضاءة على المشروع الذي يتحدّر منه العازف الشاب، وعلى الموسيقى الكوبية وعلاقتها بالجمهور. يعود مشروع Buena Vista Social Club إلى أواسط تسعينيات القرن المنصرم عندما قام الموسيقي الأميركي الشهير راي كودِر بزيارة الجزيرة الشيوعية حيث جمع مواهب الموسيقى الكوبية من عازفين ومغنّين معظمهم كان في خريف العمر.
لم تكن «الشلّة» الجميلة معروفة خارج الحدود الكوبية، ولم تكن تقيم وزناً للجدية من جهة «الاتجار» بالفن رغم مهنيتها وإتقانها أصول موسيقى السالسا. وكان التانغو الأرجنتيني والسامبا البرازيلية وغيرهما من مدارس موسيقى أميركا اللاتينية قد سبقت السالسا إلى العالمية. سجّل كودر مع كوباي سيغوندو وابراهيم فيرير وكاشايتو لوبيز وأومارا بورتويوندو وإليادس أوشووا وروبن غونزالس وغيرهم، سجلوا الألبوم التاريخي Buena Vista Social Club عام 1997. وقد حوى مجموعة من كلاسيكيات الموسيقى الكوبية، والأغنيات الخاصة التي كان قد كتبها أعضاء الفرقة قبل وصول المنتج الأميركي.
بعد الألبوم، عاد راي كودِر إلى كوبا، برفقة صديقه المخرج الألماني فيم فندرز هذه المرّة، لتصوير الشريط الوثائقي الشهير الذي حمل عنوان الألبوم. وفي عام 1997، نال الألبوم جائزة «غرامي» للموسيقى، بينما حاز الفيلم عام 2000 جائزة أفضل شريط وثائقي في «مهرجان الفيلم الأوروبي»، إضافةً إلى جوائز عدة أخرى. هكذا غزت الموسيقى الكوبية العالم ووصل ابراهيم فيرير ليغني مع جزء من الفرقة في الـ Carnegie hall في نيويورك، كما نراه في الفيلم.
أما في لبنان، فكان لهذا المشروع أثره بطبيعة الحال، لكنّه طاول (كالعادة) الفئات غير الشعبية. إلّا أنّ انتشار الموسيقى الكوبية في أماكن لم يصل إليها Buena Vista Social Club، أسهم فيه ألبوم السالسا العربي الأول في العالم الذي ابتكره ميشال إلفتريادس، وحمل صوت المغنية حنين وموسيقى الفرقة الكوبية Y Son Cubano. أضف إلى ذلك، الحفلة التي قدّمها المغني التسعيني كومباي سيغوندو في لبنان قبيل رحيله عام 2003، وبعدها حفلة المغنية أومارا بورتويوندو.
رحل من Buena Vista Social Club شيوخه الثلاثة سيغوندو، وعازف البيانو في الفرقة روبن غونزالس عام 2003، وابراهيم فيرير عام 2005، ليحلّ روبرتو فونسيكا محل غونزالس. يعدّ فونسيكا المولود في هافانا عام 1975 من أهم مواهب جيله في الموسيقى الكوبية اليوم. إذ استطاع في السنوات الأخيرة أن يحافظ على مستوى الفرقة ويقدّم الجديد، من دون أن يخرج عن السكة الأساسية التي تسير عليها موسيقى السالسا.
ويبدو أنّ فونسيكا أدرك أنّ تطوير هذه الموسيقى، من شأنه أن ينسف روحها، أياً كان الدافع إليه: من باب الطليعية، أو التجريبية، أو التحرر على المستوى الإيقاعي والنسيج الموسيقي تحديداً (أي الآلات المستعملة كالنحاسيات والآلات الإيقاعية، وخاصة الغونغاس والبونغوس والماراكاس). وهذا ينطبق على الموسيقى اللاتينية عموماً. والتجربة الأكثر جرأة والأنجح تطويراً في هذا المجال، تحمل توقيع عبقري من الأرجنتين، ونحن نتكلّم طبعاً على موسيقيّ التانغو الكبير أستور بياتزولا الذي رسم حقاً حدود تطوير هذه الموسيقى. لكنّ فونسيكا من جهة أخرى ــــ وبحسب الألبوم الأخير ــــ أدخل ما يجدّد هذه الموسيقى، من دون أن «يزعجها». إذ نسمع بدايةً لمقطوعة على إيقاع التانغو، لا تلبث أن تتحوّل إلى إيقاع السالسا، ويدخل الجاز من خلال الارتجال قبل أن يختم على الطريقة الكولتراينية (نسبة إلى عازف الساكسوفون جون كولتراين)، مع الجاز الحرّ في أقصى مجازفة نحو التحديث. هذا مَثَل من نماذج أخرى في الأسطوانة التي شملت أيضاً تلاوين أخرى، أبرزها الأفرو ــــ كوبي والبرازيلي، إضافةً إلى مقطوعة «إشمايل» الشهيرة التي يستعيدها فونسيكا من ريبرتوار موسيقي الجاز الأميركي عبدالله ابراهيم (المعروف أيضاً باسم دولار براند). تلك الرائعة المعروفة بنسختين، إحداهما آلاتية بينما الثانية يتخلّلها غناء لنصوص قرآنية وهي ـــــ يا للخسارة ــــ ممنوعة في لبنان (والعالم العربي).
وفي الألبوم الذي نسمعه مساء الثلاثاء من فونسيكا وفرقته، أغنيات أخرى، منها واحدة مهداة إلى ابراهيم فيرير، ومنها ما يحمل من الكلام ما قلّ ودل، في البساطة المعهودة في هذا النوع من الموسيقى عموماً. أما مغنّية الـBuena Vista Social Club أومارا بورتيوندو التي شاركت في أسطوانة «زامازو» فلن ترافق فونسيكا إلى بيروت.
وهنا، يتبادر إلى الذهن سؤال: هل موسيقى أميركا اللاتينية، بكل أشكالها ومدارسها، فرِحة أم حزينة؟ ليس بإمكان أحد ادعاء جواب مقنع. قد توحي هذه الموسيقى بأنّها فرِحة لأنّها تثير فينا رغبة في الرقص، يستحيل ضبطها. لكنّ مصدرها الذي يجمع بين المعاناة والشقاء والفقر وظروف الحياة الصعبة على القارة الأصدق في كوكبنا، ينفي عنها صفة الفرح. وبالتالي يُختصر الوصف المنطقي الأدقّ لهذه الموسيقى بهذه الكلمات: إنها فسحة عابرة يغني فيها المعذّب عذاباته، ويضعها تحت رجليه ويرقص. أو بمعنى آخر، هي تجمع بين الرخاء الأوروبي والعبودية الأفريقية، لكون أصولها الإثنية والاجتماعية آتية من مزيج هاتين الثقافتين المتناقضتين... فهل سيرقص الميسورون فقط في الـ «ميوزكهول» على أنغام روبيرتو فونسيكا وفرقته؟

التاسعة من مساء الثلاثاء 3 حزيران (يونيو) ـــــ ميوزيكهول ــــ 01،361236


من الجاز... إلى موسيقى العالم

بعد خمس سنوات على انطلاق «ليبان جاز»، الموعد الصيفي الذي أصبح مهرجاناً دائماً، أعلن مؤسسه ومديره كريم غطاس في مؤتمرٍ صحافي ولادة «ليبان وورلد» مع شريكه في المشروع الجديد، المنتج الموسيقي ميشال إلفتريادس. وقال غطاس إن LIBANWORLD هو ثمرة تعاون بين «ليبان جاز» و«إلفتريادس بروداكشن» لِما لمؤسسها من خبرة في مجال موسيقى الشعوب من كوبا إلى إسبانيا ويوغوسلافيا وغيرها، ويهدف إلى تنظيم حفلات لفنانين عالميين من رموز ما يُعرف بموسيقى الشعوب (أو الـ«وورلد ميوزك»). وفيما توجه اهتمام «ليبان جاز» على مدى خمس سنوات إلى أسماء من عالم موسيقى الجاز وروافده، سيكون «ليبان وورلد» مختصاً بالأسماء التي تشكّل الحدث في إحياء التراث الموسيقي في بلدانها. أولى حفلات المهرجان الجديد ستحمل توقيع الفنان الكوبي روبرتو فونسيكا، عازف البيانو الجديد في فرقة Buena Vista Social Club الشهيرة. كما أشار المنظمون إلى أن المهرجان سيستضيف فنّاناً كل ثلاثة أشهر، أي بمعدل أربع حفلات في السنة.