بشير صفير يوقّع عازف الفلوت ترافرسيير نبيل مروّة أسطوانته الأولى مساء اليوم في قصر الأونيسكو، بدعوة من «نادي لكلّ الناس»، ويتخلّل المناسبة عزف حيّ لجزء ممّا ورد في التسجيل. هذا العمل يضاف اليوم إلى الكاتالوغ المحلي المحدود في مجال الموسيقى الكلاسيكية إلى جانب أسطوانات سابقة للراحل وليد عقل (بيانو)، ووليد حوراني (بيانو)، ووسام بستاني (فلوت)، وتاتيانا بريماك ــــ خوري، وجاد عزقول (غيتار)، وعبد الرحمن الباشا (بيانو)... حصة الأسد هي لآلة البيانو من دون منازع، فيما احتلت آلة الفلوت المرتبة الثانية معززةً اليوم مع مروّة. وعندما نقول عمل للفلوت، نقصد أنّها الآلة الأساسية في التركيبة التي تضم إجمالاً مرافقة لآلة البيانو أو الأوركسترا (وغير ذلك).
في أسطوانة مروّة «أصوات من الضفة الأخرى»، شريك الفلوت هو البيانو... بيانو العازفة اللبنانية من أصل أوكراني تاتيانا بريماك ــــ خوري. يعدّ مروة من أبرز عازفي الفلوت اللبنانيين الذين اتجهوا إلى الموسيقى الكلاسيكية. بدأ دراسته الموسيقية في لبنان ثم أكمل في «معهد تشايكوفسكي العالي للموسيقى» في كييف حيث نال شهادته عام 1994. قدّم أمسيات عدّة في لبنان وخارجه، وهو حالياً عضوٌ في الأوركسترا السيمفونية الوطنية اللبنانية، وأستاذ آلة الفلوت في الكونسرفاتوار الوطني. على رغم خبرته في ريبرتوار واسع من الأعمال التي أدّى فيها الفلوت دوراً أساسياً، لم يختر مروة أعمالاً مألوفة من الكلاسيكيات في فئتها، بل توجّه إلى الأعمال الجديدة التي تقدّم إضافةً مهمة إلى المستمع الملمّ بقضايا الموسيقى الكلاسيكية.
اختار مروة عنوان أسطوانته انطلاقاً من اسم برنامج الموسيقى الكلاسيكية الذي كان يعدّه ويقدّمه الناقد الموسيقي الراحل نزار مروة عبر أثير إذاعة صوت الشعب في الثمانينيات. وجاء «أصوات من الضفة الأخرى» عملاً متجانساً من حيث الهوية الموسيقية (تأليفاً وتنفيذاً) وشبه متجانس من حيث جغرافية مصدر مادته (الشرق).
أما النمط الموسيقي العام للمؤلفات التي حوتها الأسطوانة، فلا تعدّ نخبوية بالنسبة إلى الغربيين (الأوروبيون خصوصاً)، لكنّ اتصالها بالشرق ــــ ولو بنسبة محدودة ــــ ينقذها في المقابل من انحصار الاهتمام فيها من نخبة الجمهور الشرقي. علماً أنّها تكتنف الحد الأدنى من عناصر الحداثة، ما يجعلها موضع اهتمام في الوسط الغربي الباحث في تطور هذا النمط الموسيقي، أو المهتم بتفرّعاته غير الغربية.
تجمع الأسطوانة أربعة مؤلفين من الشرق (أذربيجان، لبنان، الأردن)، درسوا في الغرب وطبّقوا أصول التأليف الموسيقي من دون انسلاخ كبير عن ثقافاتهم الموسيقية الأم. يستهل الثنائي مروة/ بريماك ـــــ خوري الأسطوانة بست مقطوعات موسيقية للمؤلف الأذربيجاني فِكرَت أميروف (1922 ــــ 1984)، حيث المناخ الموسيقي المحلي يخيّم بوضوح على النسيج الكلاسيكي الغربي العام. تروي هذه المقطوعات القصيرة من خلال عناوينها «قصص الآشوغ، وهم مجموعة من المغنّين المتجوّلين في ترحالهم من قرية إلى أخرى منشدين وعازفين على آلاتهم الشعبية»، كما جاء في الكُتيِّب. ومن أذربيجان إلى لبنان ومتتالية للفلوت والبيانو (تسجيل أول لهذا العمل) كتبها المؤلف المعاصر عبدالله المصري عام 1986. عملٌ جميلٌ بتماسكه وتغيُّراته الإيقاعية (سرعة وتقسيماً) ودينامياته الصوتية، يعرِّج في جزء منه على الفولكلور من خلال عرض معدَّل للحن الـ«روزانا» تليه تنويعات ثم حوار بين الآلتين قبل الختام المذكِّر بالبداية. في هذه المتتالية أيضاً مقطوعة مثّلت العمود الأمتن في عمل، عنونها المؤلف «يوم صعب» وحمّلها اضطرابات ثقيلة معتمداً الأسلوب التصويري بشقَّيه التعبيري والانطباعي. وفي ختام المتتالية، مقطوعة بعنوان «صدى» تردّدت فيها أصداء ما سبق، فنتج منها نسيج مكثّف قصير المدة شديد التعبير.
من لبنان أيضاً، مقطوعة للمؤلف هتاف خوري بعنوان «رابسودي للفلوت والبيانو» (كُتبَت عام 1994 خصيصاً لنبيل مروة وهذا تسجيل أول لها). تدل عبارة «رابسودي» عموماً على مقطوعة موسيقية قائمة على توليف ألحان شعبية عدة، على غرار ما ترك لنا المجري فرانز ليست (1811 ــــ 1886) في هذا المجال، أو في مثل أقرب، على غرار الـ«رابسودي اللبنانية» التي كتبها عازف البيانو اللبناني وليد حوراني. لكن خوري لم يعتمد الطريقة الليستية (نسبة إلى فرانز ليست) كما فعل حوراني، لكنّه خلط في أسلوبه بين المدرسة الليستية التي تتّجه إلى اعتماد الإشارات المباشرة للألحان المتناولة والمدرسة البارتوكية (نسبة إلى تجارب المؤلف المجري بيلا بارتوك) التي تستخلص خطوطاً عريضة من التراث وتستنتج مقوّماتها، وتقدّمها عبر تلميحات قابلة لتجديد نفسها مع الزمن (تماماً كأعمال بارتوك التي ما زالت عصرية رغم مرور قرن على ابتكارها). وهنا تكمن الأهمية الأبرز لهذا العمل الجميل.
في الختام عمل بعنوان «الانبعاث من الرماد» للمؤلف الأردني طارق يونس، مستوحاة من أسطورة طائر الفينيق. إنها المعزوفة الأكثر شرقية في الأسطوانة: مقامات شرقية، وجمل مكتوبة على شكل تقاسيم ولو أن التدوين يحدّ من طابعها الحر تماماً. هذا في الجزء الأول، إذ يشهد مسار هذا العمل تحوّلات إلى الغربي الحديث المتعدّد الأشكال بين الطابعَين الفوضوي والمنضبط نسبياً.


6:00 مساء اليوم ــــ قصر الأونيسكو: 01،786680