بيار أبي صعبمن الجزائر أطلّت هذه المرّة، لتذكّرنا بتجربة خاصة على خريطة الأدب العربي والخليجي... لن نضيف و«النسائي»، لأن ليلى العثمان ترفض في خطابها وممارستها الإبداعيّة، مثل هذا التصنيف. إنّها امرأة كويتيّة «عاشت في زمن النكبة وزمن النفط»، كما تقول، وبقيت على علاقة وطيدة بالمدينة القديمة التي ترعرعت فيها، بالبحر والصحراء على السواء.
صاحبة «صمت الفراشات» («دار الآداب» ــ ٢٠٠٦) التي أثارت نقاشاً واسعاً خلال ندوة «المكتبة الوطنيّة الجزائريّة» أخيراً، عبّرت في نصّها عن معاناة المرأة، في مواجهة مجتمع ذكوري... ورصدت تحوّلات مجتمعها من البداوة إلى النمط الصناعي، وتناولت الأوضاع المزرية للخدم في الخليج، والتفاوت الطبقي، والفساد، وثقل التقاليد والخرافات وتحجّر رجال الدين. كما جسّدت المرأة الثائرة، وكتبت الحبّ... وأفسحت مجالاً واسعاً للجنس، لا كصرعة تسويقية سهلة، بل كفعل تمرّد على البنى السائدة وسعي إلى فضحها، وكرفض لكلّ أشكال القمع والذل والاستغلال.
هذه هي ليلى العثمان (١٩٤٣) التي تحدّثت في الجزائر عن «حريّة الكتابة»، عن آليات التضييق والإقصاء التي تواجهها المرأة المبدعة في ظل النظام البطريركي. إنّها «إمرأة بلا قيود» كما وصفها الباحث الفلسطيني محمد صفوري في دراسة عن أدبها (الناصرة ــ ٢٠٠٦). اصطدمت مبكراً بجدار المحافظة، لكنّها لم تخضع لضغوط المجتمع والعائلة، ولا لحملات الإسلاميين... أشهر الدعاوى أقيمت ضدّها عام ١٩٩٦، عن أعمال صادرة بين ١٩٧٨ و١٩٨٤، بتهمة كتابة «قصص ماجنة تحض على الرذيلة». وصدر الحكم ضدّها في عام ٢٠٠٠، وسحبت منها يومذاك جائزة الأدب. كل ذلك تناولته روائيّاً في «المحاكمة» (٢٠٠٣) التي ما زالت ممنوعة في الكويت، شأنها في ذلك شأن رواياتها «العصعص»، وقصص «الرحيل» و«الحبّ له صور»...
طيف الحريّة يخيّم على أدبها الذي يتراوح بين رومنسيّة وواقعيّة ورمزيّة. ليلى العثمان وجه الكويت المضيء الذي كان، بالأمس القريب، إحدى بؤر الليبراليّة العربيّة...