strong>ديما شريفإنه الرابع من نيسان 1958. يتجمّع ناشطو «حملة العمل المباشر» (Direct Action Campain DAC) في ساحة ترافالغار في لندن لبدء «مسيرة الفصح» بطول 52 ميلاً إلى مركز للأبحاث النووية في منطقة ألدرماستون، للمطالبة بوقف سباق التسلح النووي تحت عنوان «Ban The Bomb» في ذروة الحرب الباردة. وفي هذا التجمع، ظهرت للمرة الأولى إشارة السلام الشهيرة التي تكمل عامها الخمسين اليوم وسط شهرة وانتشار عالميين. جذور الإشارة تعود إلى مصمم قماش هو جيرالد هولتوم، من المعارضين للحرب العالمية الثانية ولسباق التسلح. وعندما قررت DAC القيام بالمسيرة، اقترح عليها شعاره، فتمت الموافقة عليه في 21 شباط 1958. وتوصل هولتوم إلى الرمز المعروف بعد أن جمع حرفي N وD من كلمتي Nuclear Disarmament بطريقة الإشارة (طريقة تستخدم فيها الأعلام للإشارة إلى الحروف الأبجدية)، فحصل على الرمز بعد أن وضع الحرفين بعضهما فوق بعض داخل دائرة ترمز إلى الكرة الأرضية. ولفترة من الزمن، كان يجري الخلط بينه وبين رمز نوع سيارات الـ«مرسيدس» الذي يشبهه، وكان هدف هولستوم أن يستطيع الجميع رسمه، ومن هنا بساطته. وقد اهتمت وسائل الإعلام بالرمز، وظهر كثيراً بعد المسيرة في الصحف والمجلات والتقارير التلفزيونية. وقد شارك في مسيرة 4 نيسان أحد مساعدي القس مارتن لوثر كينغ واسمه بايارد راستن، فحمل معه الرمز إلى الولايات المتحدة الأميركية، في وقت كانت حركة الحقوق المدنية فيها تعرف انتشاراً يزيد يوماً بعد يوم. في 1960 انتشرت في الولايات المتحدة أزرار تحمل الرمز، واستخدمت خاصة بين طلاب الجامعات. وعندما بدأت تظهر فظائع حرب فييتنام، اكتشف المتظاهرون أنهم يملكون رمزاً جاهزاً للتعبير عن شعورهم. ولم تسلم الإشارة تلك من الانتقادات على مرّ السنين، فمنذ ظهورها وانتشارها شعبياً، شبّهها البعض بأثر قدم الدجاجة، فيما عدّه آخرون النسخة المقلوبة للصليب الذي يصور صلب القديس بيتر، إلى اتهامات بأنه يشبه شعاراً من القرون الوسطى عرف بصليب نيرو ويمثل الشيطان. وخلال الستينيات، اتهم الشعار بأنه معادٍ للمسيحية لأنه يصور ما يشبه المسيح المصلوب بالمقلوب. فيما روّج بعض منظّري اليمين المتطرف في أميركا للشعار بأنه يمثّل «الشيوعية الكافرة». وقد رأى مخترع الشعار وقتها في حديث لمجلة Peace News أنه رسم الرمز «من يأسه تجاه ما يحصل في العالم»، لذا فهو يمثل رجلاً يائساً يبسط يديه». وتطور الرمز ليتخطى ارتباطه بمناهضة التسلح النووي، ليصبح شعاراً للثقافات البديلة من كل الاتجاهات، فاعتمده الهيبيون في كل نشاطاتهم تعبيراً عن السلام بكل أوجهه، واستخدمته جمعية «غرينبيس» في حملاتها البيئية. ولم يستطع الرمز الإفلات من عولمة السوق، فمنذ السبعينيات انتشرت شعاراته على الأكواب والملابس والحليّ. ورغم نسخ الشعار المتكرر الذي هدد بتحويله إلى رمز فارغ، إلا أن الأحداث العالمية من حروب وسباقات تسلح بقيت تعيد إليه الحياة في العقود الخمسة الماضية. الرسم الأصلي للرمز محفوظ اليوم في أرشيف متحف السلام البريطاني، وتعرض نسخة منه أمام الجمهور.