strong>هاني نعيمهذه المرة أخذت الأفكار شكلاً آخر، بين الفنّ التجسيدي والتعبير الحرّ بالمقتنيات ولد «مختبر فنّي» على درج الجمّيزة في بيروت... هكذا يعرّف إبراهيم سماحة مختبره الذي افتتحه يوم الجمعة الماضي على درج الجميزة الشهير، فباتت تلك المساحة العامة اليوم معرضاً ومختبراً تجريبياً لكل المواهب التي تريد أن توصل رسالة واقعية معيّنة من خلال الفنّ الحرّ. «هذه الفسحة متاحة للجميع. يمكن لأي كان أن يأتي بفكرته ويختبرها ويحوّلها إلى مادة أو عمل فني»، هكذا يختصر إبراهيم هدف المختبر، فهذا المكان هو لكل من يريد الإبداع، الرسم، الخلق، والـperformance installation وهي من الفنون النادرة الانتشار في لبنان. وتتميّز أعمال سماحة أيضاً باستخدام تقنية الـgravure التي يستخدمها في عدد من أعمال يعرضها في الطابق الثاني من المختبر.
رسائل سماحة من خلال مختبره كثيرة، وهي موجهة إلى الناس بشكل عام، «أنا أنتقد الناس قبل السياسيين». فباعتقاده أنّ الأفراد يتحمّلون نتيجة ما وصلوا إليه. لذا نرى في المشهدية performance، رسالة ذات طابع سياسي ـــ واقعي، توصّف الواقع كما هو، وتضعه ضمن إطار فنّي ينزع عنه رتابته ويميّزه عن المشهد العام الذي ولد فيه في الحياة اليومية. كراسيّ، شرائط لاصقة، أعلام، لوحات... هذا ما يحتلّ درج الجمّيزة الآن.
المشهد الأول عبارة عن طابور من الكراسي الذي يمثل الناس باختلافاتهم، وأضيفت إليهم الأحزاب التي يشار إليها بأسهم كتب عليها «Lebanon»، وكل سهم باتجاه مختلف عن غيره، ما يختزل الانقسام والاختلاف اللبناني سياسيّاً وطائفياً.
في المشهد الثاني، يجتمع السياسيون وخطاباتهم، بالفترة الممتدة ما بين 1982 إلى اليوم، تتداخل الخطابات و«العبارات التاريخية» لتكوّن «وجعة راس»، على شاشة التلفزيون صورة مواطن يمشي على سجّادة متحرّكة ويبقى في محلّه... تماماً كما هو في الواقع: أي مكانك راوح.
«الكلام لم يتغيّر، الخطابات هي هي»، هذا ما لاحظه إبراهيم في الحياة السياسية اللبنانية. تتلاحق المشاهد ما بين كرسيّ السلطة الذي لم يتغيّر من يجلس فوقه، بالإضافة إلى شنطة السامسونايت المسيّجة بالأسلاك البلاستيكية، وهي تمثّل حالة الوضع الأمني في البلد منذ سنوات عدة إلى اليوم، وفي هذا الصدد يعلّق سماحة «لو يعود اللبنانيون إلى تاريخهم، الذي تميّز برسالة السلام، لكانوا اليوم ابتعدوا عن العنف».
في لوحات إبراهيم تتداخل الفلسفة بالزمن، الموت بالحياة، كما أنّ الخوف يحضر في لوحاته، وهو يؤدّي بالإنسان إلى الانغلاق، ويظهر الخوف والشجاعة معاً في ألوانه، وهو يرسم الإنسان في مراحل حياته كلها، من ولادته إلى موته، وكل أحاسيسه التي يختبرها، ويعلّق مختصراً «أنا أرسم الحياة».
في الجميزة، اختصر سماحة المشهد اللبناني برمّته، خاطب الناس سياسيّاً بمشهديّة ناقدة للواقع اللبناني، ولامس الإنسان القابع في داخلهم بلوحاته المختلفة. يوم الجمعة الماضي، تجمهر الناس، جمعتهم ألوان الحياة بعد أن فرّقتهم الألوان السياسية.