strong>«مهرجان المسرح» الذي اختُتمت دورته الرابعة في الرياض، شكّل منعطفاً لافتاً. وحمل لأهل الفنّ الرابع آمالاً بتحوّل نوعي خلال المرحلة المقبلة: من توسّع هامش الحريّة... إلى وقوف المرأة أخيراً على الخشبة إلى جانب زملائها، وأمام جمهور مختلط الرياض ـ علاء اليوسفي
شكّل «مهرجان المسرح السعودي» حدثاً مسرحياً لا سابق له في السعودية. فدورته الرابعة التي اختُتمت أخيراً في «مركز الملك فهد الثقافي» في الرياض، أتاحت للمرأة أن تكون حاضرة للمرة الأولى بين الجمهور، وتشارك في الجلسات النقدية التي أعقبت العروض، وإن في قاعة منفصلة عن قاعة الرجال... كما شاركت صوتاً فقط في مسرحية «المكعب الزجاجي». وهذا ما دفع المسرحيّين السعوديّين إلى المجاهرة بتمنياتهم بأن تشهد الدورة المقبلة من المهرجان بداية حضور المرأة على الخشبة بين الممثلين.
ويأتي المهرجان غداة تأسيس «جمعية المسرحيين السعوديين» التي هي عبارة عن نقابة ستُعنى بتطوير المسرح السعودي وإعداد المسرحيين... وتضم في مجلس إدارتها الذي يرأسه أحمد الهذيل، عشرة أعضاء من بينهم امرأة واحدة هي إيمان التونسي. بعد توقف ثماني سنوات، عاد هذا المهرجان إذاً بدعم من وزارة الثقافة والإعلام، ليمثّل نقلةً نوعيةً تمثّلت في تخصيص المسرح بمناسبة خاصة، بعدما كان المسرحيون ينتظرون كل عام «مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة» (تزامنت فعالياته مع مهرجان المسرح) لعرض أعمالهم. من الآن فصاعداً صار للمسرح مهرجانه، ليقتصر الجنادرية ابتداءً من هذا العام على مسرح الطفل.
هذه الخطوة أدّت إلى نجاح المهرجان الذي لم يقتصر على عروض شاركت فيها عشر فرق من مناطق سعودية مختلفة، بل شمل ندوات تناولت تجربة المسرح السعودي والعربي، وورش عمل تركّزت على تقنيات الأداء والتمثيل أشرف عليها مدحت الكاشف من مصر. والأهم أنّ المهرجان أتاح فرصةً للتواصل والتفاعل بين المسرحيين المشاركين. إذ كانت الفرقة، في السابق، تغادر فور انتهاء عرضها ـــــ بسبب عدم توفير إقامة لها من إدارة الجنادرية ـــــ فلا يتسنّى لها حضور العروض والخوض في نقاشات نقدية على هامشها.
وما أعطى المهرجان نكهةً جديدةً أيضاً، قيامه باستضافة أكاديميين ومخرجين من دول عربية عدة، أثروا الجلسات النقدية التي أعقبت العروض. بين هؤلاء نشير إلى عبد الكريم برشيد (المغرب) ونادر القنة (فلسطين) وغنام غنام (الأردن)، فيما اعتذر الممثل المصري البارز محمد صبحي عن عدم الحضور، وغاب أيضاً المسرحي العراقي (المقيم في لبنان) جواد الأسدي... ولوحظ أن «مهرجان المسرح» لم يَدعُ، هذه الدورة، مسرحيين من لبنان وسوريا. أما لجنة التحكيم، فضمّت حسين المسلم (الكويت)، ومحمد بن قطاف وعبد اللطيف المساوي (الجزائر)، وانتصار عبدالفتاح (مصر)، وعبد الناصر الزير (السعودية).
وإذا توقفنا مليّاً عند العروض المشاركة، فهناك ملاحظة تفرض نفسها هي أنّ المسرح السعودي لم يرتقِ بعد إلى ما يتجاوز مرحلة التجريب. العناصر السينوغرافية افتقدت إلى التوازن والتناغم في ما بينها، ما حال دون اكتمال الأعمال الفنيّة بشكل عام، إذا استثنينا عرضين أو ثلاثة مثل «موت المؤلف» تأليف سامي الجمعان وإخراج زكريا المومني، و«حالة قلق» تأليف فهد الحارثي وإخراج أحمد الأحمري، و«الرقص مع الطيور» تأليف وإخراج شادي عاشور. أما العروض الأخرى، فجاء بعضها يذكّر بالتجارب الطلابية التي تفتقد إلى وسائل النضج الأسلوبي والفكري، التقني والجمالي.
صحيح أنّ المسرح في السعودية يعاني مشاكل جمّة، إلا أنّ المسرحيّين حوّلوها أحياناً إلى حجج لتبرير قصورهم. فإلى غياب المرأة الممنوعة «شرعاً» من وطء خشبة المسرح، هناك غياب المعاهد المتخصصة، والبيروقراطية التي تشترط عرض المسرحيات عبر الجمعيات والأطر الرسمية، وقلة المسارح المجّهزة، وندرة المتخصصين في السينوغرافيا... ما يفسّر حال الارتباك البصري، وغياب الانسجام بين الديكور والإضاءة خلال العروض التي قُدِّمت.
وعلى رغم أن بعض المشاركين الضيوف، أضافوا إلى هذه المشاكل مشكلة حرية التعبير، إلا أنّ هذه المسألة لم تتعرض يوماً إلى اختبار حقيقي. إذ لم يُسجَّل منع أي مسرحيّة من العرض في السعودية، أو توقيف أي مسرحي. أمّا الرقابة «الاجتماعية» من «هيئة الأمر بالمعروف» (والمجتهدين السائرين على دربها)، فتستطيع فقط أن تخرّب عرضاً، لكنها تعجز عن منع استمراره... كما حدث قبل أكثر من سنة خلال تقديم مسرحية «وسطي بلا وسطية». يومها، هاجم السلفيون المسرح، وكسّروا الديكور، ثم أحيلوا على القضاء، بغض النظر عن الأحكام المخفّفة التي حصلوا عليها.
كل ذلك، لا يمنع من طرح سؤال عن دور المسرحيين أنفسهم في تجاوز هذه العقبات. إذ لم يقم مسرح في العالم العربي إلا بجهود المسرحيين أنفسهم، حتّى في غياب الدعم المطلوب من الدولة. ويبدو أنّ السعوديين يحوّلون هذه العقبات إلى شمّاعة يعلّقون عليها تقصيرهم، والنقص الذي يتخبطون فيه: هناك أزمة بنيوية على مستوى النص الذي ينأى عن مقاربة الإشكاليات والقضايا «الساخنة» داخل المجتمع السعودي، إلى درجة نخال أنّ المسرحيين سجنوا أنفسهم داخل قفص وهمي، بدت فيه الرقابة الذاتية أبعد بأشواط من رقابة وزارة الإعلام! فإذا أخذنا مشكلة الطائفية على سبيل المثال لا الحصر، فسنجد أن الدولة نفسها بادرت إلى طرح للنقاش خلال إحدى دورات «الحوار الوطني» الذي تحوّل إلى مؤسسة، في حين أن أيّاً من المسرحيّين في المملكة، لم يجرؤ على مقاربة تلك المشكلة حتى اليوم!
هكذا، يكتفي المسرحيون باستخدام الرمزية في بعض الجمل التي يبدو أنّ الجمهور يريدها أكثر تصريحاً مما هي عليه حتى الآن... فقد صفّق كثيراً خلال عرض «موت المؤلف» بسبب الإسقاطات التي وضعها المؤلف سامي الجمعان على واقع الفساد والتشدّد الديني.
«مهرجان المسرح السعودي الرابع» الذي أضاء المسرح بأمل جديد، ترك ارتياحاً في أوساط المسرحيين الذين كُرّموا للمرة الأولى. وتوّج وزير الثقافة والإعلام إياد مدني هذا الأمل بإعلانه إطلاق جائزة في المسرح باسم رائد المسرح السعودي أحمد السباعي، تمنح للمرّة الأولى خلال الدورة الخامسة من المهرجان الذي سيقام كل سنتين في المرحلة الأولى... على أن يصار إلى تنظيمه سنوياً في مرحلة لاحقة، بعد أن يكتسب المسرح السعودي نضجاً فنياً وتطوراً تقنياً وزخماً إبداعياً، ويحطّم بعض العقبات على طريق الحريّة!

موقع المهرجان على الإنترنت:
www.sauditf.com


عروض وجوائز