بيسان طيباختيار هذا النص، يعلن عبد النور انحيازه إلى خيار راديكالي، ويحمل خطاباً سياسياً واضحاً، ويدعو إلى الانقلاب على الواقع. وإذا كان الخطاب اليساري والعروبي قد عرف صدى كبيراً في السبعينيات، فإن استعادته اليوم، مغامرة إبداعيّة... لإنّها تعطي النص بعداً نقدياً جديداً، لا يصل من دون البعد الجمالي والمسرحي! يذكّرنا عبد النور، بطريقة أو بأخرى، أنّ أنظمة القمع ما زالت قائمة، وإن ادّعى بعضها الانحياز إلى معسكر «الخير» و«الديموقراطية». كما يتبيّن مرة أخرى أنّ هذا النص ما زال قادراً على مخاطبة الواقع العربي الجديد، وصولاً إلى الاتساع لـ«تلطيشات» محليّة، مرتبطة بالراهن السياسي اللبناني!
ليس ثمة مواربة، أو كلام بين السطور في مسرحية «حنظلة»، الأشياء تُسمى بأسمائها، والديكور البسيط يعكس موقفاً جمالياً، ونمطاً واقعياً في التعامل مع الخشبة والنص... تلك الواقعية تتجلّى خصوصاً من خلال لوح الشعارات والكتابات المثبت خلف السجن الذي اعتقل فيه حنظلة. يبدو شريف عبد النور أميناً لنصّ ونّوس إلى حدّ كبير، لكنّه في الوقت عينه يترك على العرض بصماته الخاصة، ويثبت تمكّنه من أدواته كمخرج يريد أن يصنع مسرحاً سياسياً وشعبياً في آن معاً.
بعض المشاهد أشبه بلوحات تشكيلية تتداخل فيها الموسيقى بالنص، وتزيدها الإضاءة جمالية، كمشهد قرع الطبول، فيما حنظلة يدور تائهاً في رقصة تذكّر بحلقات الذكر. والمخرج إذ اختار أن يبقي ممثليه نياماً على الخشبة بعدما تنتهي أدوارهم في النص، إنما يقدّم لنا إضافته في قراءة النص بتاريخيّته وأبعاده الراهنة. تألق عبد النور وتألق معه بطله السميري، لكنّ أداء الممثلين الآخرين (على موهبتهم) يبقى موضع تساؤل. ربّما يراهن المخرج على توظيف «الهواية» (في التمثيل) كعنصر جمالي من عناصر العرض، لكن في المحصلة الأخيرة ساهم الأداء في إضعاف العمل. إذ إن بعض الممثلين كان يؤدي دوره بشكل تضخيمي مبالغ به، فيما عمل عبد النور مبنيّ على قراءة معمّقة لنصّ ونّوس، الأمر الذي يفترض الاستعانة بمحترفين متمكّنين من أدواتهم في التمثيل.


«رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة»: مسرحيّة من تأليف سعد الله ونّوس، وإخراج شريف عبد النور: حتى 13 نيسان (أبريل) الحالي ــ قاعة «وست هول»، الجامعة الأميركية في بيروت: 01،353228