بيار أبي صعبصديقنا محرّر الشؤون العربيّة في مجلّة Courrier International الفرنسيّة مندهش. لم يصدّق ما رأت عيناه: جريدة «الأخبار» تدافع عن مرجان ساترابي، وتعلن تضامنها مع فيلم «برسيبوليس»؟ يا للعجب! بدا له الأمر من خوارق هذا الزمان، وقرر أن ينقله إلى قرائه... ترجم مشكوراً المقالة التي كتبناها انتصاراً للفيلم وصاحبته، ودفاعاً عن حريّة التعبير، وضدّ كل أشكال الرقابة (الخميس 27/3/2008)... ونشرها تحت عنوان أقل ما يقال فيه إنّه يجمع بين الدقّة والأمانة والموضوعيّة: «... حين يدافع حزب الله عن فيلم برسيبوليس!» (العدد 909 من الـ«كورييه»، من 3 إلى 9 نيسان/ أبريل ٢٠٠٨). محرّر الشؤون العربيّة في «كورييه إنترناسيونال» مندهش. ولفرط دهشته واستغرابه، أفلتت منه ــ بعض الشيء ــ معايير المهنة وضوابطها، فإذا به يسلّط نظرة تبسيطيّة واختزالية إلى الواقع الإعلامي (والسياسي) اللبناني. «الأخبار» جريدة مستقلّة هي الأولى لبنانياً، لجهة القدرة على النفاذ إلى أوساط وبيئات وفئات يصعب جمعها في منبر واحد هذه الأيام للأسف. جريدة قريبة من المعارضة (على تعدّد روافدها ومكوّناتها)، لكنّها تتوجّه بالاحترام نفسه إلى كل القرّاء داخل لبنان وخارجه. تدافع عن التعددية بقدر ما تنتمي إلى خط الممانعة، وتقف طبيعيّاً في خندق المقاومة... وذلك كان كافياً كي يطوّبها صديقنا، ناطقة رسميّة باسم حزب الله! وهذا الإسقاط خطير، حين يأتي من مطبوعة متخصصة في رصد الصحف العالميّة، ونقل ما تنشره إلى قرّاء لغة موليير. إذ نتوقّع منها أن تقدّم، عن واقعنا المعقّد، صورة أكثر دقّة وأمانة، وأقل كاريكاتوريّة واختزاليّة، وأقلّ انحيازاً إلى معسكر معيّن ــ أو موقف معيّن من الصراع في الشرق الأوسط ــ دون سواه. كنا ولا نزال نتوقّع من هذه الأسبوعيّة الباريسيّة أن تعكس كل الاتجاهات والآراء من دون «أبلسة» أحد، أو محاكمته سلفاً، تاركةً لكل قارئ أن يكوّن بنفسه وجهة النظر الأمثل. قد يكون كلامنا ساذجاً، لكنّها الأمثولة الذهبيّة التي تعلّمناها من الصحافة الفرنسيّة!
حريّة التعبير لا تتجزّأ، وهي ليست استنسابيّة، ولا ينبغي لها أن تخضع للمتاجرة السياسيّة لا في الداخل ولا في الخارج. هذه المرّة أثير اللغط حول «برسيبوليس»، بالأمس كانت المشكلة حول رواية سعوديّة تكشف تواطؤ المحافظة السلفيّة والفساد السياسي، وقبلها كانت رواية «دافينتشي كود» التي أغضبت بعض المسيحيين! وكل مرّة ينبغي لنا أن نكون هنا: المعركة ضدّ الرقابة واحدة، بمعزل عن كل الاعتبارات. كيف يجهل صديقنا المندهش، وهو المتابع المتمهّل، أو لماذا يتجاهل، أن «الأخبار» خاضت منذ يومها الأوّل كل المعارك من أجل حريّة التعبير، في مواجهة مختلف أشكال الوصاية السياسيّة والدينيّة على الفرد العربي؟
الأدلّة كثيرة على استقلاليتنا، لكننا لسنا في موقع التبرير أو الدفاع عن النفس. فعلنا وسنفعل ما تمليه علينا القيم الأساسيّة التي قام عليها مشروع «الأخبار»، ولا نطلب شهادة حسن سلوك من «الرجل الأبيض» الذي ينظر إلينا من عليائه، مقسّماً الناس بين أخيار (من الطبيعي أن يدافعوا عن عرض «برسيبوليس» في لبنان) وأشرار (من الطبيعي أن يطالبوا بمنعه). وبأيّة حال، نعرف تماماً أننا مهما فعلنا، لن ننال رضى زميلنا في الـ Courrier، ولن تنطبق علينا المعايير الحاليّة للحداثة والعصريّة والشياكة: كي تحظى اليوم ببراءة ذمّة من جانب بعض النخب «التقدميّة» في الغرب الديموقراطي، لا بدّ من أن تزم شفتك السفلى بقرف شديد عند الكلام عن حزب الله!
أما نحن، ففي ظلّ البندقيّة المقاومة التي حطّمت أسطورة التفوق الإسرائيلي، كتبنا وسنكتب ضدّ شيوخ الظلام وضدّ المطاوعة على اختلاف تجلياتهم. كتبنا وسنكتب من أجل العدالة الاجتماعيّة والديموقراطيّة والعلمانيّة، ضدّ الأنظمة المستبدّة الفاسدة، ومن أجل حريّة المعتقلين في السجون العربيّة. كتبنا وسنكتب لفضح انحياز جزء لا بأس به من الإعلام الفرنسي والغربي إلى خطاب الطغاة والبرابرة الجدد. كتبنا وسنكتب ضدّ كل أشكال المذهبيّة والطائفيّة، العنصريّة واللاساميّة. و«الأخبار» حاضرة أيضاً في معارك الدفاع عن حقوق المثليين جنسياً في لبنان والعالم العربي. في انتظار أن يترجم محرّر الـ«كورييه»، ذات يوم، إحدى مقالاتنا في هذا السياق، ويضيف إليه عنواناً من عناوينه الخفيفة الظلّ. مثلاً: «حين يدافع حزب الله عن حقوق المثليين في العالم العربي!»...