بشير صفيرفي عام 2004، صدر عدد خاص من مجلة «رولينغ ستون» المتخصصة في الموسيقى، حوى أسماء أهم مئة فنان في العالم. يومها احتلّ الموسيقي الأميركي الشهير راي تشارلز المرتبة العاشرة في ترتيب «الخالدين» كما سمّتهم المجلة. وفي حزيران (يونيو) من السنة نفسها، رحل تشارلز عن 74 عاماً. بعد عام على رحيله، صدر فيلم «راي» (إخراج تايلر هاكفورد) الذي نقل إلى الشاشة حياة تشارلز المثيرة، وعطاءه الفني الذي شكّل محور حياته. كلّ هذه الأحداث زادت من أهمية تشارلز في عيون عشّاقه في العالم، وعَرّفت كثيرين ممّن وصلتهم أغانيه طبعاً بإحدى أهمّ الشخصيات الموسيقية في القرن العشرين.
راي تشارلز روبنسون، «العبقري» الضرير الذي يخصّه مهرجان «جاز في قرطاج» هذا العام بتكريم خاص (راجع المقال أدناه)، ولد عام 1930 في ولاية جورجيا الأميركية من عائلة فقيرة. في سنّ الخامسة، شاهد بأم عينه غرق أخيه الأصغر، ويرجَّح أنّ تلك الحادثة سبّبت فقدانه التام للنظر بعد سنتين. انتقل الولد الضرير مع أمه إلى ولاية فلوريدا، حيث درس الموسيقى والعزف على آلتي البيانو والألتو ساكسوفون. وبدأ صغيراً يكسب رزقه من العزف على البيانو في إحدى الفرق، وتأثر بالأنماط الموسيقية التي انتشرت في تلك المنطقة، ولا سيما موسيقى السود والفقراء: بلوز، غوسبل، جاز...
في عام 1947، انتقل إلى سياتل آملاً بتحقيق نجاح إضافي. وهنا بدأ الغناء والعزف مع فرقته الخاصة، وتعرّف إلى موسيقيّين ومنتجين آمنوا بموهبته الفريدة، بينما بدأ يكوّن شخصيته الموسيقيّة... وقد استقرّ على غناء السول (الذي تنامت شعبيّته فضل تشارلز)، وخصوصاً الـ«آر & بي». في تلك الفترة، أصدر ألبومات عدة حقّقت نجاحاً كبيراً، وأدخلت صاحبها إلى مجتمع البيض. وانتشر عددٌ من أغنياته مطلع الستينيات في كل العالم، فرقص على أنغامها شباب وشابات تلك المرحلة الصاخبة، وقد أتت بصوته أو بصوت العشرات ممن أعادوا غناءها.
وفي وقت كانت فيه أعماله تحتل المراتب الأولى في المبيعات والإذاعات، وقع راي في فخّ المخدرات فأدمن الهيرويين الذي أدخله السجن، لكنّه أفلت من هذا الفخّ الجهنّمي الذي تخبّط فيه قرابة عقدين.
حاز راي تشارلز «جوائز غرامي» عدّة، بفضل أغنيات باتت اليوم من كلاسيكيات موسيقى الـ«آر & بي» والسول. كما نال جوائز كثيرة أخرى خلال مسيرته الغنية.
ظلّ هذا المغنّي الضرير، صاحب المحيّا الباسم، نشيطاً يجول العالم ويصدح بصوته الرخيم من وراء البيانو، وقدّم آخر حفلة له عام 2003 ضمن مهرجانات موسيقية عالمية. وآخر ألبوماته صدر بعيد وفاته بعنوان Genius Loves Company وحوى ثنائيات غنائية جمعته بكبار المغنّين من مخضرمين ومواهب جديدة (بي.بي. كينغ، فان موريسن، جايمس تايلور، ديانا كرال، نورا جونز...). لكنّ سرطان الكبد ألزمه الفراش في أيامه الأخيرة، قبل أن يصرعه في 10 حزيران (يونيو) 2004، في منزله في بيفرلي هيلز (كاليفورنيا).
قبيل رحيله، التقى راي تشارلز المخرج الأميركي تايلر هاكفورد الذي كان ينوي تنفيذ عمل سينمائي يتمحور حول حياة هذا المؤلف والمغني، وأعماله. وكما في كل الأفلام التي تتناول شخصية مشهورة في العالم، كانت هناك صعوبة في اختيار الممثل الذي سيؤدي الدور الرئيس في «راي». عندما طُرح اسم المغني والممثل الكوميدي الأميركي جايمي فوكس، التقاه راي تشارلز، وجلسا وجهاً لوجه، كلٌ خلف آلة بيانو. هكذا، قاما بمبارزة أراد منها تشارلز التأكد من موهبة فوكس، لمعرفة قدرته على أداء الدور الرئيس في الفيلم. بعد ساعتين، ابتسم تشارلز ومنح بركته لجايمي فوكس الذي نال أوسكار أفضل ممثل عن دوره في الفيلم... فأهدى الجائزة إلى «راي» الذي كان قد غادر هذا العالم.