محمد خيرفي روايته «عشّاق خائبون» (ميريت ــ القاهرة) التي نفدت طبعتها الأولى منذ أيام بعد فوزها بالمركز الثاني في مسابقة «ساويرس»، يبدأ إيهاب عبد الحميد بنفي الرواية في ما يكتب. هكذا، يقدّم إلينا خالد الذي ينزعج ــ وهو يكتب خطابه إلى سلمى ــ من المقدّمات: «المقدمات ما هي إلا مؤامرة، كم من الروايات كانت ستملأ العالم وكم من العلاقات العاطفية ومن الحروب لو لم تستلزم كل منها مقدمات، إنّ المقدمات صعبة جداً». ولهذا، فإن خالد لن يرى أن ما يكتبه رواية، بل خطاب طويل إلى سلمى التي تزوّجت غيره، وعاشت في البلد البعيد. إنّها رسالة لا أكثر، وهي حيلة مناسبة لخداع النقّاد!
في رسالته الطويلة، يريد خالد أن يحكي لسلمى عن سلمى، لكنّه يحكي عن كل شيء آخر: عن نفسه، عن كامل الذي يعيش كميت، عن سعيد الكردي الشيوعي العراقي المقطوع الأذن وعن صاحبه المقطوع الإصبع. ويحكي عن سليم الطبيب النفسي المهذّب والمثقّف الذي قرر أن يقتل زوجته ريتا التي هي عشيقة خالد وعشيقة كامل وشقيقة زياد المثليّ جنسياً الملتزم الصلاة. ريتا هي ابنة دانييلا وحبيبة ليلى وابنة يوسف الصعيدي العجوز الذي هرب من مدينته حتى واجه البحر فتوقّف. وريتا هي ابنة دانييلا التي ماتت في غرفة باريسية كما مات أبوها بسوس الرئة. إنّ الرواية عن ريتا حتى لو كانت مقنّعة وراء عشق البطل خالد لسلمى.
لا شيء يحدث، في الواقع، لسبب بسيط هو أنّ الحاضر ليس إلّا وهماً، فنحن مخلوقون كي نخدم الماضي الذي لا خلاص منه، هذا الوحش الذي لا يتوقف عن التهام المستقبل. ولهذا فإنه لا هذه الرسالة ولا هروب سلمى أو عودة ريتا يمكن أن تعطي مبرراً للحياة. لماذا يكتب خالد إذن؟ إنّها وسيلته للهروب من الجنون.
الجنون، ذلك القزم الصغير ذو اللحية الذي يطارد خالد في كل مكان، في البيت والشارع وفي شقة كامل وفي النادي اليوناني.حتى في باريس عندما وجد متحف اللوفر مغلقاً، كان القزم جالساً فوق المتحف يشير إليه ويضحك. أين كان القزم قبل ذلك؟ كان في واحدة من حكايات يوسف العجوز أبو ريتا الذي يقترب بدوره من الفصام. ففي قريته البعيدة، كان قوم لا دين لهم يصنعون أحلى نبيذ في العالم، يروون النخيل بتميمة سحرية لا يعرفها غيرهم، أحد القرويين حاول حفظها وأخطأ في تلاوتها فخرج إليه قزم جني التهمه فوراً. ثم عاد القزم ليظهر في هذيانات خالد التي يبوح بها لطبيبه المعالج سليم، فكيف يعالجه سليم وهو يعرف أنّ خالد هو عشيق زوجته؟
«عشّاق خائبون» رواية فائقة العذوبة، تستخدم الحبّ مدخلاً للحديث عن الإنسان... وتحكي أحداثاً لا تنتهي، تماماً مثل ريتا التي بعد أن تضحك، تنسى شفتيها مفتوحتين.