لينا ناصيف بعد مجموعة قصصية أولى هي «بين انتظارين» (1995)، ها هي فاتن المرّ تُصدر باكورتها الروائية التي أتت بعنوان «الزمن التّالي» (الفرات للتوزيع والنشر). أستاذة الأدب المقارن نسجت أحداث روايتها في لبنان على خلفيّة حرب تموز 2006. للوهلة الأولى، قد نخال أنّ الرواية ستنحصر في الإطار السياسي، إلا أنّها تتخطّى ذلك عبر عرضها واقعاً اجتماعياً وإنسانياً من خلال علاقة رجل وامرأة متزوّجين يعجزان عن التواصل. فالزوج المحبط كان مناضلاً سابقاً اختار العيش على هامش الحياة بعد اغتيال زوجته الأولى وطفله بتفجير كان يستهدفه.
هكذا، يستعيد أبطال القصّة لحظات النضال الصادقة ووصولية بعض القادة وجنيهم الثروات وتبوؤهم المراكز... عبر استغلال شبّان يافعين مؤمنين بالقضية الفلسطينية، ومتحمّسين لها. أمّا حرب تموز، فهي الأزمة التي ستنشر الخلافات وتبيّن صدقيّة القيادة ونزاهتها. ثم توسّع الكاتبة دائرة نقدها السياسي عندما تطرح السؤال عن تسييس شرعة حقوق الإنسان، عبر مشاركة البطلة في تظاهرات احتجاجاً على فتور الإدانة الدولية للمجازر الإسرائيلية في جنوب لبنان. ويشغل البعد الاجتماعي حيزاً كبيراً في الرواية كمشكلة الأسرى العائدين، وعدم وجود متنفس لهم إلا الهجرة ومشكلة أهالي الشهداء والمفقودين.
صور كثيرة تتتابع منها في الرواية، مثل صورة اللبناني الذي أصبح يطفئ هاتفه المحمول إذا تكلّم في السياسة خوفاً من تنصّت قد يهدّده بالاغتيال. أما الصورة الطاغية، فهي ضمنية تتعلق بدور المرأة. إنّها النصف الثاني من رواية تدور على لسانها كما على لسان الرجل. «هو» و«هي» راويان متساويان، ومناضلان، يتناوبان على العمل والاستراحة. يوم القنوط تعمل بصمت وتساعده، حتى تبدو قادرة على اتخاذ قرارات مستقلّة من أجله، ومن أجل مصلحتهما كثنائي. وهي لا تنصاع لتعصّب زوجها وطائفيته، بل تعمل مع نازحي الحرب معرّضة نفسها لخطر الانفصال عنه... حتى إنّها تشعر بالراحة عندما تُصاب بشظايا قنبلة عنقودية، إذ يخلصها دمها النازف من عقدة ذنب كانت تراودها: «كنت دائماً أتساءل لِمَ يسقط البعض شهداء في الحرب وينجو الآخر. لم هم ولست أنا؟».باختصار، رواية فاتن المرّ مؤثرة تُعلن إيمان كاتِبتها بالإنسان، ولو أنّها تنتهي بالموت. فالموت لا بد منه لانبعاث الحياة.