بيروت عاصمة (موقتة) للفنّ المعاصر...بيار أبي صعبالتظاهرة الفنيّة الثقافيّة التي تنطلق اليوم دورتها الرابعة في بيروت، تنطوي على برنامج حافل بأعمال وأسماء نادراً ما تتاح لها فرصة الوصول الى الجمهور الواسع في لبنان والعالم العربي. جولة أوليّة على بعض المحطّات والتجارب، في دهاليز المنتدى الذي تشرف عليه كريستين طعمة

من يعرف كريستين طعمة شخصيّاً، كان من الأفضل له ألا يلتقيها، خلال الأسابيع التي سبقت قرارها الحاسم. فالمرأة ــــ الأوركسترا التي صارت، خلال سنوات قليلة، مدرسة وقدوة في المنطقة، في مجال إدارة العمل الثقافي/ الفنّي، وبرمجته وإنتاجه... كانت تعيش حالة من الحيرة والقلق، وصلت بها إلى نوع من الهوس، وبمن حولها إلى الهستيريا! مديرة «أشكال ألوان» تعمل منذ سنتين على «فوروم» Home Works (مكتوبة بكلمتين) أو «أشغال داخليّة». جابت العالم والتقت المبدعين، وأوصت على المشاريع، واتفقت على العروض، واختارت المشاركين... لكن هل تسمح لها البلاد الرابضة على كفّ عفريت، بأن تحقق مشروعها الطموح؟ ذات يوم من شباط/ فبراير دعتنا إلى كأس في بار «كيان» في الجميزة، وأبلغتنا قرارها: الفوروم سيقام في موعده المحدد!
اليوم، مع افتتاح الطبعة الرابعة من «أشغال داخليّة ـــــ منتدى عن الممارسات الثقافيّة» نتنفّس الصعداء، لقد ربحنا معها الرهان. كريستين طعمة تعمل منذ التسعينيات على إعادة الاعتبار إلى الفضاء العام في المدينة، وعلى احتضان التجارب الشابة والطليعيّة في مختلف مجالات الإبداع التي تضيق بها الثقافة الرسميّة والتقليديّة والمكرّسة... جيل كامل عبر في تلك الدائرة قبل أن يكتسب الشرعيّة. وبرنامج «أشغال داخليّة 4» بتعدد مستوياته، وتنوّع مجالاته، يعكس مشاغلها التي تجمع بين الفنون البصريّة والمفهوميّة، بين الصورة والفيديو والبرفورمانس والتجهيز، بين الرقص والمسرح والعمارة، من دون أن تهمل النقاش النظري والفكري. برنامج حافل يمتدّ على 8 أيام، ابتداءً من اليوم، ويتوزّع على أماكن مختلفة من بيروتغاليري صفير ــــ زملر»، تحتضن أعمال تجهيزات مختلفة: «ألبوم» كمال الجعفري على شكل منزل غير مكتمل البناء، مستعار من الرملة في فلسطين. «فن ثانوي» لجلال توفيق، يشتمل على ملصقات وأغلفة أعيدت صياغتها لتحمل خطاباً جديداً. زياد عنتر يطلّ بعملي فيديو هما «روندو ألا توركا» (٢٠٠٦) و«الحبل» (٢٠٠٧). مايكل راكوفيتش في «لا وطأة للعدوّ الخفي» يحاول إعادة بناء تحف سرقت من المتحف الوطني العراقي. أما مروان رشماوي فيستعيد «طيف» عمارة قديمة في بيروت، ويرصد تحولاتها، من خلال توثيق ذاكرتها والاستعانة بشهادات السكان. وتواصل إميلي جاسر بحثها عن الشهيد وائل زعيتر. ويقوم تيم ايتشيلز وفلاتكا هورفات يوميّاً بتعديل تجهيزهما «إسقاط منزل»، من خلال إرسال أعمال ورقيّة من ملصقات ورسومات عبر جهاز الفاكس مباشرة إلى الصالة في الكرنتينا. وينتظر الجمهور بفارغ الصبر موعده مع الفنّان والمنظّر وليد صادق، الذي يشارك بملصق «أن نتعلّم كيف نرى أقلّ»، فيه يواصل تطبيق نظرته النقديّة للتخمة التصويريّة التي تحاصر عين الإنسان المعاصر.
في «غاليري أجيال»، يقدم الثنائي خليل جريج وجوانا حاجي ــــ توما عملهما حول معتقل «الخيام»، وقد تطوّر منذ ١٩٩٩، وأضيف إليه جزء جديد يقدم الشهود أنفسهم (وهم معتقلون سابقون) بعد أن عبر العدوان الإسرائيلي بالمعتقل الذي كان قد تحوّل متحفاً للذاكرة. أما الفنان المصري وائل شوقي، فعاد إلى وسط بنت جبيل القديم الذي دمّره العدوان الإسرائيلي، ليقرأ آيات من سورة البقرة. وكان قد خاض تجربة سابقة حين قرأ سورة «الكهف» في سوبرماركت في هولندا، مطبّقاً النصّ المقدّس على حالات معاصرة وراهنة.
هناك أيضاً معرض زينة معاصري «علامات النزاع»، وتجهيز لافت للفنان الفلسطيني خليل رباح في «سنتر استرال»، عنوانه «الخطوط الجويّة للولايات المتحدة الفلسطينية». ويضيق المجال عن تناول أعمال الفيديو كلّها، لكننا نشير إلى مشاركة بهمان جلالي، وإمره هونز، ومنيرة الصلح، ولينا صانع، وروي سماحة، وأحمد أوغوت، وسيرين فتوح، ووحيد زارا زاده ولميا جريج وكوكن إرغون ... كما نتوقّف عند تظاهرة بعنوان «فليكن» ينظمها الفنان أكرم الزعتري، بعد سنة من البحث، وتضم أفلاماً محورها الجنس.
لا ينبغي أن ننسى العروض المسرحيّة والأدائيّة والراقصة، من آن تيريزا دي كيرسماكير إلى جيروم بيل، ومن فرقة «تي جي ستان» التي تقدّم عرضاً استثنائيّاً بعنوان «نوش» مأخوذ من أشعار بول إلويار... إلى «نانسي» ربيع مروّة، مروراً بريما قديسي وبرفورمانس للثلاثي طوني شكر ربيع مروّة تياغو رودريغيز بعنوان «رجل اليوم السابق».
برنامج الندوات والمحاضرات أيضاً حافل، نكتفي هنا بالإشارة إلى مساهمات برنار جوري (العمل في القطاع الخاص)، ندى شبّوط (سرقة الآثار العراقيّة)، وهاني درويش (مترو أنفاق القاهرة) وأليساندرو بيتي (هندسة الاحتلال الإسرائيلي)، وطوني شكر (إعادة إعمار الضاحية وهيمنة النموذج الواحد)، وحسن خان (أنا لست من أنا)...
ماذا بعد؟ هناك مفاجآت كثيرة، منها صدور العدد الأول من مجلّة NOA (فادي الطفيلي/ منيرة الصلح)... علماً بأن المنتدى مدعوم من مؤسسات «فورد» و«هينريش بل» و«أوبن سوساييتي» إضافة إلى المركز الثقافي البريطاني في بيروت ووزارة الثقافة اللبنانيّة... ولمن يهمّه الأمر، بوسع أي منكم أن يلتقي كريستين طعمة أو أياً من أفراد فريقها، من دون أي خشية. فالجميع منفرج الأسارير: لقد ربحت «أشكال ألوان» رهانها!

الدخول مجاني ـــ للاستعلامات: 01،360251
البرنامج كاملاً على www.ashkalalwan.org