نوال العليليست «روايات مخمعال» سلسلةً جديدةً ستصدر عن إحدى دور النشر، وإنّ مخمعال ليس اسماً فرعونياً قديماً أو مغامراًَ من الأشقياء. إنّها مجرد قصص تدور أحداثها في غرف الدردشة على الإنترنت، صنع بها محمود خالد معرضاً يقام في «غاليري مكان» في عمّان حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري. ومخمعال ليست سوى كنية هذا الفنان المصري الشاب في العالم الافتراضي، اخترعه مستخدماً الحروف الأولى من اسمه الكامل، كما جاء في بطاقة الهويّة. المعرض يقوم على فكرة مبتكرة، كما لو أنّ داراً للنشر تروّج لأحد إصداراتها الجديدة، ويعرض فيه محمود خالد أول عمل، ضمن سلسلة «روايات مخمعال». العمل بعنوان «صورة في القلب»، يقدمه الفنان من خلال النصّ المكتوب، ومن خلال التجهيز أيضاً.
إنّها قصة الخيال الرومانسي اليومي والحديث، استوحاها خالد من أسلوب «روايات عبير»، واتّخذها نمطاً له. ففي حين كانت روايات الجيب الشعبية تلك تتدخل في التكوين العاطفي للمراهقات، وتفتح مخيّلتهن على عالم الشغف والحب والجنس، باتت غرف الدردشة تلعب الدور ذاته على نحو أكثر حميمية ومباشرة.
يستخدم خالد العناصر الجمالية لأغلفة «روايات عبير»: الخطان، الأصفر الغليظ والأخضر الرفيع أعلى الغلاف الأبيض، والألوان نفسها طُليت بها جدران قاعة العرض: الوردة المطبوعة بسذاجة إلى الجانب الأيسر، وعنوان السلسلة أعلى الصفحة. وعادة ما كانت «روايات عبير» تضع لقطة مقرّبة لامرأة أو لامرأة ورجل، أما «مخمعال» فيضع صورة رجل على شكل «أيقونة». رجل يرتدي قبعة مضحكة كأنها قبعة ساحر طويلة، ويحمل علبة «بيبسي».
ولحبْك الرواية على طريقة «عبير»، قرأ خالد مجموعةً منها، فاحتفظ بشخصية «الرومانس الخارق»، وبعناصر شتّى كالسرية والغموض والبعد والصد بين الحبيبين، مموّهاً شيئاً من حقائق أرشيف المحادثة... فإذا به يقدّم رواية «جيب» عن حكاية رومانسيّة وقعت في غرفة رقمية.
خلال العامين الماضيين، تواصل محمود خالد مع معارف ذكور من الشرق الأوسط على الإنترنت، ودخل معهم في علاقات طويلة وقصيرة. ومن المعلومات التي جمعها، والوقائع التي اختبرها وعاشها، كتب «روايته». «صورة في القلب» عن قصة «تشات» بين أحمد المتعلق بمخمعال الذي «لم يجد لنفسه هوية محددة، هو شخص لا يشعر بانتماء لأي شيء... ويتشكل حسب الظروف». وتمثّل «الدردشات» أرشيفاً يكشف الغموض الذي يحيط بهذا النوع من العلاقة... كما تشهد أيضاً على التبادل الإلكتروني للأكاذيب والرغبات الدفينة، والمنطق الاجتماعي الأعوج، ومشاعر الغربة التي يشعر بها مخمعال وقائمة أصحابه.
إنّه إذاً العمل الأول في سلسلة ينوي الاستمرار في تحقيقها، حتى تُكوّن مشروعاً متكاملاً يتألف من مختلف الأجزاء، وقد جرى تركيبها معاً. فيه يتطرق خالد لفكرة التمثيل الذاتي للهوية التي يظهرها الطرفان في غرفة محادثة، ونسبة الثقة التي يمنحها كل منهما للآخر. وأول ما يلفت هو أن تلك الاشتباكات العاطفية ما زالت محكومة بالبنية الاجتماعية والسياسية والنفسية، من حيث أنها متعلقة بمسألة لا يخاض فيها: تكوين هوية جنسية، والدفاع عنها، والاستمتاع بها على أي شكل كانت. إلا أن هذا النقاش لا يشغل محمود خالد كثيراً: «أعرف أن ما أطرحه يصطدم بالمحظور. لكني لا أعتقد أن دوري هو تحطيم تلك التابوهات، وإلا سيصير فني عدائياً جداً. أنا أقدم “الشذوذ الجنسي” مثلاً (لعلّه يقصد المثليّة الجنسيّة!)، أو أيّة علاقة بين كائنين في العالم الافتراضي، من دون أي عري وبعيداً حتى من أي حوار
جريء».
الفنان المصري الشاب الذي تكتشفه عمّان هذه الأيام، ينتج أعمالاً في الفيديو والتصوير الفوتوغرافي والكتابة والتجهيز الفراغي، إلا أنّه يميل للبحث في موضوع واحد، هو هوية خالد الشخصية، هوية خالد الفنان، العلاقة بين هوية خالد وهوية مخمعال: «الأفكار الكبيرة لا تلمسني، وأعتقد أن ما يحدث في الحياة العصرية يؤكد أكثر فأكثر الفردية. أشياؤك تؤكد فرديتك، كالهاتف المحمول (موبايل) والكمبيوتر المحمول (لابتوب)... من خلال هذه الأجهزة تبقى فرداً حتى وأنت وسط جماعة».
لكن أليست الهوية واحدة من الأفكار الكبيرة التي يتجنبها محمود خالد؟ حتى وإن كانت مقتصرة عليه وعلى أصحابه والمدردشين، ألا يقدّم عبرها هويات أشخاص يمثّلون السياق الاجتماعي والحضاري الحديث؟

«روايات مخمعال» ــــ معرض محمود خالد: حتى 25 نيسان/ أبريل الحالي ــــ «مكان» (عمان): +96264631969
www.makanhouse.net