بيار أبي صعبكثيرون ظلموا طوني شكر، حين رأوا أن الكلام الذي قاله في «مسرح المدينة» البيروتي، ضمن برنامج «أشغال داخليّة 4»، هو محاضرة تقوم على منهج وخطاب نقدي... أو بحث جدّي، علمي وأكاديمي، قوامه الرصد الميداني فالتحليل النظري فالاستنتاج. طوني بدأ من الاستنتاج وأسس عليه مداخلته. ألم يحذّرنا برنامج «أشكال ألوان» من أنها «محاضرة فنّان»؟ والفنّان يحق له ما لا يحقّ لسواه.
المحاضرة التي قدمها الاثنين الماضي بعنوان «اليوم الثامن»، وأثارت لغطاً كثيراً، تشبه تلك التي كان يلقيها الدادائيون مطلع القرن الماضي، أيام كان جاك فاشيه يخرج مسدسه في المسرح ليعبّر عن مواقفه النقديّة! كانت في الحقيقة «برفورمانس»، أو «عرضاً أدائياً». وهو، لمن لم يتآلف بعد مع مفردات الفنّ المعاصر وقوالبه، شكل استعمل في حقبات جماليّة وفكريّة وسياسيّة مختلفة من تاريخ الفن. وشكر الذي شارك في تجارب مع ربيع مروّة ووليد رعد، أحب أن يضيّع جمهوره عند الحدود الواهية بين الحقيقة التوثيقيّة والخيال الروائي. لقد لعب علينا دور معماري شاب، منشغل برصد مخاطر الانحراف التوتاليتاري أينما تجلّت، ليفكّكها بمهارة وهدوء. وبطل العرض انصبّ عمله تحديداً على مشروع «وعد» لإعادة بناء الضاحية، بصفته خطراً داهماً على التعدديّة والحريّة في الشرق الأوسط الجديد. وإمعاناً منه في استفزاز الجمهور، كالعادة في هذا النوع من الفنّ، لجأ شكر إلى مفردات موجعة (فاشيّة) وتعليقات صادمة ومواقف مزاجيّة وذاتيّة.
إن هدف هذا الفنان الطليعي، كان تسليط الضوء على «الهمجيّة» الإسرائيلية التي دمّرت الضاحية، وتذكيرنا بأن بيروت تلفظ تدريجاً أهل الطبقات الدنيا، كي يبني المقاولون مكان العمارات العريقة أبراجاً وكاباريهات لأثرياء الجوار. «انتبهوا مدينتكم للبيع!» قال لنا... ولعلّه تساءل: لماذا لا تتولّى شركة «سوليدير» إعادة إعمار ضاحية بيروت الجنوبيّة؟ لكن الجمهور لم يسمعه، ولم يقرأ بين السطور!