بقلم الفنّان أحمد الزين الصور المنقولة عن مدينة مونتريال في «ريم وغزلان جدة» (دار الهادي)، وقدرة كاتبها الفائقة على التصوير والوصف بالكلمات، هي مفتاح المتعة في قراءة رواية خضر عواركة الجديدة. إذ إنّ الكاتب ينقل أجواء المهاجرين والطلاّب العرب في تلك المدينة الكندية بطريقة صادمة، بينما نجح في نقل قارئه إلى عالم الرؤيا بالخيال، فتصبح وأنت تقرأ الرواية كأنك تتمشى مع أبطاله في شوارع مونتريال، وتراقصهم في ملاهيها الليلية.
ومع أنّ عواركة سقط أحيانأً في فخّ الخطاب السياسي المباشر لدى تناوله مواجهة فكرية بين كاتبة عربية متصهينة وطالب دراسات عليا مصري جبان، إلا أنّه سرعان ما عاد إلى الرمزية في التعاطي مع الاختلاف الثقافي والتنوع الفكري.
رموز الفكر والثقافة المتنوعة تمرّ من دون تصنّع أو تلفيق، في سردية درامية مغلفة بعاطفة سريالية، تصوّر عفوية التعاطي الغربي مع مقدسات سياسية ومسلّمات فكرية، وتظهر استعداداً غربياً للتفاعل مع القضايا الإنسانية، إن وصلتهم الحقيقة من دون تزوير.
أمر آخر يدخلنا عواركة بسلاسة إلى عوالمه، هو عالم الرغبات الجسدية والتعاطي العفوي الصادق الغربي معها، حتى لو كان بأقسى درجات «الانحطاط» (نسبة إلى التقاليد العربية المعلنة)، بينما تتعاطى المراهقات العربيات في الغالب مع الموضوع نفسه بطريقة النفاق العلني والممارسة في السرّ.
على أن الجانب الأكثر تقنية من الناحية الروائية، يتمثل في الذروة الإيحائية التي عالج بها الكاتب قضايا شائكة، كالعلاقات بين الشبان العرب من خلفيات طبقية وإقليمية وفكرية مختلفة، وعلاقات الحب بين الجنسيات المختلفة، والزواج في الغربة بعيداً من تقاليد العرب والخليجيين خصوصاً، والعلاقات الغربية العربية إنسانياً، والتفاهم الإنساني بين جميع الأطراف التي تمثّل نسيج المجتمع الكندي المتنوع.
رواية تستحق على الأقل، لقب دليل سياحي لمدينة مونتريال من جهة الوصف الجميل لمعالمها، بقلم لم يشتهر عنه إلا الصدام السياسي العنيف على صفحات الإنترنت، فإذ بنا نفاجأ بأن للمشاكس السياسي في كتاباته الروائية، قلماً حساساً مرهفاً يبدع في تصوير اللحظات الحميمة للمراهقات، ويرتجف شغفاً مع شفاه ريم (بطلة الرواية المطلقة) في لحظة هيام وصقيع.
«ريم وغزلان جدة» تعكس انفتاح الكاتب الحضاري، رغم الختام المتأسلم للرواية (ربما لمراعاة الناشر)، وفيها دعوة إلى الحوار في وجه التوتر الغربي الذي زاده توتراً الفكر السلفي في غزواته العبثية في نيويورك وواشنطن. كأنّ عواركة يدعو بروايته إلى شن حرب الحوار مع الشعوب الغربية، بدلاً من وضعهم في بوتقة واحدة مع مؤسسات الحكم الاستعمارية في بلدانهم. الرواية رحلة في الحبّ والسياسة والفكر والثقافة والموسيقى، تنتهي في مدينة جدة السعودية، على أمل الحرية الفكرية التي يتمناها عواركة لشعب هذا البلد.