strong>عملان دراميان، الأول تلفزيوني والثاني سينمائي، يرويان سيرة جبران خليل جبران، ويسلّطان الضوء على المعاناة التي أسهمت في إبداعه. بين باريس وبشري ونيويورك، يقدم ألكسندر نجّار وسمير حبشي، ومعهما نزيه يوسف ورولا حمادة ورندا الأسمر... صاحب «النبي» برؤية مختلفة، «من دون فذلكات»
باسم الحكيم
بعد خمسة وعشرين عاماً على مئويّة ولادة جبران، آن الأوان لوصول سيرته إلى الشاشتين الصغيرة والكبيرة في عملين دراميين، الأول «الملاك الثائر» من كتابة نهاد سيريس وإخراج محمد فردوس الأتاسي وإنتاج نادر الأتاسي، ويعرض حالياً على OTV بعد نحو عام ونصف عام على إنجازه. أما الثاني فرباعيّة تلفزيونيّة عنوانها حتى الآن «جبران خليل جبران»، تصوّر بتقنية HD. سيستمد منها فيلماً روائيّاً مدته ساعتان لصالات السينما، قبل عرضه في التلفزيون. وهو من كتابة الأديب والمحامي ألكسندر نجّار وإخراج سمير حبشي، وإنتاج مشترك بين مؤسّسة «سيدرونا فاونديشين» المعنيّة أساساً، بإقامة المشاريع الخيريّة والنشاطات الثقافيّة، وبين لجنة جبران الوطنيّة. وتوزعت الأدوار الرئيسيّة بين نخبة من الممثلين اللبنانيين، على رأسهم نزيه يوسف في دور جبران في سن الشباب والكهولة، عماد كريدي الذي تعرّف إليه الجمهور في فيلم «زوزو» للمخرج جوزيف فارس (جبران في مرحلة المراهقة)، والطفل طوني طوق (10 سنوات) في مرحلة الطفولة.
إضافة إلى جوليا قصّار بدور كاملة (والدة جبران)، جورج كعدي في شخصيّة خليل جبران، وتقلا شمعون بدور شقيقته ماريانا، ورولا حمادة بدور ماري هاسكل، ورنده الأسمر بدور باربرا يونغ، وزياد سعيد في شخصيّة ميخائيل نعيمة، ويوسف حدّاد بدور النحّات يوسف الحويك الذي عاش معه في باريس، ورفعت طربيه بدور رئيس الدير، وجهاد الأندري في دور فريد هولنداي. ومعهم جوزيف بونصّار، وبيرج فازيليان، وديامان بوعبّود، وبياريت قطريب...
عاش ألكسندر نجّار مع جبران وأوراقه سنوات طويلة، قام خلالها بأبحاث معمّقة عن شخصية الفيلسوف الراحل، ونشرها أوّلاً بالفرنسيّة في كتاب «السيرة الذاتية لجبران» (2002)، قبل أن يترجم إلى ثماني لغات، بينها العربيّة، والإيطاليّة، والإسبانية والألمانيّة. وأتبعه بكتاب «أوراق جبرانيّة» باللغة العربيّة (صادر عن «دار النهار»)، ضمّنه وثائق اكتشفها في أميركا. لم يكتف نجّار بتكريم جبران بهذه الطريقة، وهذا ما جعله يقدم على تحويل أبحاثه في هذا الإطار إلى سيناريو تلفزيوني من أربع حلقات، لعلّه يصل بـ»جبرانه»، إلى شريحة أوسع من الجمهور اللبناني والعربي.
أدرك نجّار منذ البداية صعوبة الخطوة التي يفكّر فيها، وهذا ما زاد حماسته لخوض التحدي، فاتصل أولاً بجهات الإنتاج، ثم بالمخرج سمير حبشي الذي كان يومها منشغلاً بتصوير حلقات «السجينة» من مجموعة «حكايات» للكاتب شكري أنيس فاخوري، قبل نحو عامين. حماسة نجّار انتقلت إلى حبشي، «لأن جبران يعنيني ويخصّني... فعقدنا اجتماعات متتالية لبلورة السيناريو والحوار، ونصحته بألاّ يكون العمل مجرد رباعية تلفزيونيّة، لأن الميزانية المرصودة له تتعدى ميزانيّات الحلقات الدراميّة بأشواط. وهنا، قرّرنا أن نخصص نسخة أولى من ساعتين للعرض السينمائي، وثانية للعرض التلفزيوني في أربع ساعات موزّعة على أربع حلقات».
وبعد أشهر طويلة من التأجيل، حدّد حبشي موعد التصوير في منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي، وجمع فريقاً تقنيّاً «معظمه «بشرّاني» (من بلدة بشري)». ويضيف شارحاً: «البيئة التي عاش فيها هي التي أثّرت في نفسه وجعلت منه جبراناً. فأجواء كتاباته متأثّرة جدّاً بطفولته، ولم تأتِ بمحض الصدفة. من الواضح أن صاحب «النبي» ترعرع في وادي قديشا ودير مار قزحيا والجرد، ولم يكن الإبداع وليد اللحظة التي انتقل فيها إلى أميركا».
ويسجّل حبشي لنفسه انتصاراً في اختيار نزيه يوسف لشخصيّة جبران، يقول: «لم أختره عبثاً أو مصادفة، وأراهن أن نزيه يوسف سيكون أفضل مَن جسّد جبران، في التلفزيون والسينما وكذلك على المسرح، لكونه يشبهه في المضمون وفي الشكل الخارجي أيضاً». ويشرح بأن «الكاستينغ مسألة دقيقة جدّاً. هنا، لم أختر ممثلاً جيّداًً فحسب، بل شخصاً يلاحق التفاصيل الدقيقة، تماماً كالممثل العالمي. وهو قبل أن يدخل مواقع التصوير، قرأ كل ما كتب جبران، وتراه في موقع التصوير، يناقش كيف كتب جبران بعض عباراته».
من جهته، يدرك نزيه يوسف المسؤولية الملقاة على عاتقه، حين يطلب منه أداء دور جبران في عمل درامي. يعترف بـ»شعوري المستمر بالخوف والرهبة، لأن الشخصية ليست لإنسان عادي، بل لشخص تحيط به هالة خاصة. هو يعيش في ضمير الناس وفي وجدانهم». ويشرح: «قرأت سيرته الذاتية كاملة من الألف إلى الياء، وقمتُ بدراسة لشخصيته، كما استعدتُ قراءة كتبه ونصوصه التي نعرفها منذ كنا على مقاعد الدراسة، واستطعت الحصول على معظم لوحاته»، لافتاً إلى أن «حياة جبران هي عبارة عن سلسلة من المتناقضات. والمعاناة التي عاشها هي التي ساهمت في إبداعه، ربّما لأن «الإبداع يُولد من رحم المعاناة»... لكن طبعاً هناك عوامل أخرى أعطته فرصة للتميّز، وأهمها والدته كاملة. فكان يبحث دوماً في المرأة عن صورة تشبه والدته. من هنا، كان يبحث عن صورة الأم في ماري هاسكل، ثم باربرا يونغ...».
يراهن سمير حبشي الذي كان متطلباً جداً أثناء التصوير، على طريقة العرض المختلفة وعلى رؤيته ورؤية الكاتب، مشيراً إلى أنه «رغم الضخامة الإنتاجيّة والعمل المتقن في مسلسل «الملاك الثائر»، فهو لا يشبه جبران». ويشرح: «نبدأ بعرض سيرة جبران منذ الشباب، وذلك أثناء اجتماعه مع باربرا في الاستديو الخاص به، ثم نعود على طريقة «الفلاش باك» إلى طفولته».
وعن مدى الواقعيّة في العمل، يشدّد حبشي على أن الواقعيّة مطلوبة، لكن ذلك لا يحول دون الاعتماد على حكايات افتراضيّة، مثل حكاية حلا الضاهر التي لا يعرف أحد شيئاً دقيقاً عنها، «فاخترعنا لها القصّة الملائمة ضمن السياق الدرامي. كما سلطنا الضوء على عمليات الشغب في وجه الأتراك، علماً بأنه ليس بالضرورة أن يكون هذا هو الواقع». هنا الاجتهاد، بالنسبة إلى حبشي، أمر مطلوب ومرغوب، «لكن من دون فذلكات تضيع القصة، بل في إطار شخصيّة جبران ومناخها». ويضيف: «هذا عمل درامي برؤية روائيين لا وثائقيين، لذا فالاجتهاد مسموح».


strong>خوفاً من المُشاهد
مطلع الأسبوع الحالي، عاد فريق عمل «جبران» إلى بيروت من رحلة أسبوعين أمضاهما في باريس، حيث صوّر حبشي مشاهدَ في حديقة لوكسمبورغ وفي أكاديميّة «جوليان»، وكذلك في «غران باليه» حيث كانت تقام معارض الرسم، وعرض فيها جبران لوحته الشهيرة «الخريف»، وهناك التقى النحات العالمي رودان. إضافة إلى مشاهد أمام البانتيون حيث مدفن فولتير وروسو.
يقول حبشي: «كانت فرصة نادرة بأن نصوّر في هذا الموقع مجاناً، وسمح لنا بذلك لأننا نقدّم عملاً عن جبران». وآخر المشاهد التي تصوّر في الرباعيّة، هو المشهد الذي يجمع بين باربرا يونغ وطفل يمثّل امتداداً لشخصيّة جبران في عام 1960 (أي بعد نحو ثلاثين عاماً على رحيله)، على قبره في بشرّي.
وعلى رغم أن تصوير «جبران» بدأ قبل ثلاثة أشهر، يفضّل سمير حبشي عدم تحديد موعد نهائي للعرض حتى اللحظة: «يبقى لدينا ما لا يتجاوز عشرة أيّام، بعضها في بشرّي وعمشيت في ثلاثة فصول مختلفة، هي الربيع (يصوّر حاليّاً)، الصيف والخريف، وبعضها الآخر لمشاهد في نيويورك»، علماً بأن المشاهد الداخليّة في بوسطن ونيويورك، صوّرت فعلاً في استديو خاص.
يشبّه حبشي اهتمام بطل الرباعية بأنطوني كوين يوم صوّر «عمر المختار» لمصطفى العقّاد، حين عاش ثلاثة أشهر متواصلة في الصحراء، ونام في الخيم مع البدو ليتمكن من تقمّص الشخصيّة بأفضل صورة. ويشبه عمله هذا، بآخر قدم عن آرنست هامنغواي، عندما قدّمت سيرته في عمل تلفزيوني، وألحق بشريط صدر على DVD.
منذ اللحظة الأولى لانطلاق عجلة التصوير، حرص فريق العمل على تقديم أفضل صورة، فانصبّ الاهتمام على الأزياء التي كانت سائدة في تلك الفترة، إضافة إلى مواقع التصوير بين بيروت وباريس ونيويورك، «وكأننا نصوّر في عصر جبران»، يقول حبشي، «لأننا نخاف من المُشاهد ونحترمه». في هذه الأثناء، قرّر سمير حبشي الذي يتحضّر لتصوير «مجنون ليلى» للكاتبة كلوديا مرشليان مع يورغو شلهوب وريتا برصونا وشادي حدّاد، استبدال عنوان فيلمه «دخان بلا نار»، بعنوان آخر هو «بيروت مدينة مفتوحة».