يبدأ غداً تصوير «أسمهان»، ويحضّر مشروعاً تونسياً ـــ سورياً مشتركاً عن «هنيبعل». مخرجُ «الاجتياح» الذي أنهى أخيراً مسلسل «أبو جعفر المنصور» راصداً مرحلة تأسيس بغداد، وناسجاً صورة متخيلة عن صدّام، يحقق قريباً فيلم «مملكة النمل» عن الموتى في فلسطين...
منار ديب
منذ مسلسل «أخوة التراب» الجزء الثاني 1998، مروراً بـ«عمر الخيام» و«شهرزاد»، وصولاً إلى «أبناء الرشيد» و«الاجتياح»، يحقّق المخرج التونسي شوقي الماجري حضوراً نوعياً في الدراما السورية والعربية، وخصوصاً في المسلسلات التاريخية. والماجري من مخرجي الموجة الثانية في النهضة الدرامية السورية الأخيرة التي قدمت أسماء كحاتم علي، وتميزت بأعمال تاريخية ضخمة ذات لغة بصَرية راقية، وشغل مدروس على أدق التفاصيل الدرامية والمشهدية. درس السينما، لكنه انسجم مع أساليب الدراما السورية، فاندمج فيها كواحد من مخرجيها. يقول: «أنا جزء من الدراما السورية والعربية، لأن الأعمال التي أنجزتها توزعت بين سوريا والأردن، حتى إنتاجياً. لكن الدراما السورية أقرب إليّ كإحساس». ويرى أنّ «مسلسلات دمشق صنعت إنجازات مهمة وقلبت بعض المفاهيم التي كانت سائدة عربياً، وخرجت بنفَس جديد مختلف عن الدراما المصرية».
بعد هذه التجربة، كيف يقوِّم حالتها الراهنة؟ «بعد تجربة معينة، تفرز كل دراما مفارقات أو مشاكل أو تكرارات. الدراما السورية اليوم تتمتع بإنتاج كبير، بينما نجد في المحصلة عملين أو ثلاثة مهمين، وهذا طبيعي». ويضيف شارحاً: «التراكم ينتج التكرار. كما يحدث انجرار وراء موضة معينة: تاريخي، أو بيئي شامي، أو بدوي كما هو الحال هذا العام. فيحصل نوع من التوجهات المسبقة في محاولة لابتكار شيء جديد».
عمل الماجري بكثرة مع شركة أردنية، وشارك في أعماله ممثلون أردنيون، فجزء كبير من أعماله كان لـ«المركز العربي» في الأردن. ما سرُّ هذه العلاقة؟ «أنا في النهاية صاحب مشروع، هناك نوع من الأعمال التي تستهويني، وإذا اتُّفق عليها أنجزها بغض النظر عن هوية المنتج. ما يحدث أنك حين تتعاون في مشروع معين، يُتَّفَق في هذه الأثناء على مشاريع أخرى. وهكذا تصير هناك أحلام مشتركة، وتبنى علاقة. ليس الأمر احتكاراً، ولست موظفاً عند أحد».
نسأل الماجري عن سبب اقتصار عمله على المسلسلات التاريخية تقريباً، وهل يجد مسافة بينه وبين تناول البيئة السورية المعاصرة؟ يجيب: «الأعمال البيئية لا تحمل مشروعاً فنياً خاصاً بالنسبة إليّ، كما أن طريقة كتابتها لا تهمني، ولا ترضي رغباتي الفنية. هي مسألة كتابة ومشاريع. «الاجتياح» مثلاً عمل معاصر وفي بيئة لا أعرفها جيداً، لكن أعرفها بصورة عامة، لأن الهم الفلسطيني موجود في داخلنا منذ سن مبكرة، ونعرف الكثير عن هذه المأساة».
لكنّ عملاً كـ«الاجتياح» في موضوعه ومناخاته لا يخلو من تغريب وفرادة؟ «العمل إن لم يكن فريداً لا يهمني، حتى في تونس كنت سأقدم هذا النوع من الأعمال. لا أصنف الأعمال بتاريخي ومعاصر وبيئي ونفسي، أنظر إليها على أنها مسلسلات يمكن أن أقدِّم فيها اقتراحاً فنياً. حتى الأعمال التاريخية لم أتعامل معها على أنها تاريخية». ويوضح مخرج «تاج من شوك»: «ليس لدي مانع لإخراج عمل معاصر، لكن لدي اعتراض على شكل الكتابة، وحتى الأعمال التاريخية أتعامل معها على أنها أعمال معاصرة، أتعامل معها كابن اليوم. تقرأ شيئاً فتجد فيه ما يهمك أو تقترح عنواناً يهمك. الأعمال الاجتماعية المعاصرة المطروحة، ليس فيها اقتراح فني خاص. ما يهمني في الدراما أو في السينما هو الشعرية. أنا حر في اختياري كفنان، وهناك نوع من الكتابة يجب أن يوافق هذا الاختيار».
مع هواجس كهذه، هل يستطيع الماجري أن يحقق نجاحاً جماهيرياً، وهو الأمر الذي لا يمكن تجاهله في الصناعة الدرامية؟ «العمل الحقيقي يجب أن ينجح لدى كل المستويات الثقافية، لا أعتقد بمفارقة أن عملاً جماهيرياً يجب أن يكون هابطاً أو العكس، أعتقد أنه في أغلب الأحوال يؤثر العرض في خدمة العمل». ويتابع موضحاً: «أصادف أشخاصاً في أكثر من بلد، ومن مستويات مختلفة يفاجئونني بتفاصيل عجيبة عن أعمالي. معنى كلمة نخبوي هو أن تحترم الفكر. أتعامل مع الأمر بجدية، ولا يهمني أن «يضرُب» العمل، مهمتي أن أصنع شيئاً جميلاً أعطيه لكل الناس. وإلى أي درجة سيكون لكل الناس، لا أعرف، ولا أحد لديه المقياس. أنا لا أستجدي الإعجاب، أنا أحترمُ المشاهد وأحاول أن أشترك معه في شيء جميل».
آخر الأعمال المعروضة للماجري كان مسلسل «الاجتياح» الذي قدمته LBC أخيراً، ورُشِّح لجوائز «آيمي» الأميركية. تدور أحداثه على خلفية الانتفاضة الفلسطينية الثانية إبان الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية (عملية السور الواقي 2002)، لكنه لا يعدّه عملاً سياسياً «العمل فيه جانب سياسي، لكنه أيضاً يتابع الإنسان الفلسطيني، في حياته العائلية وعواطفه وأحداثه الصغيرة ويومياته». وحول ما نراه من هيمنة للموضوع في هذا العمل على حساب أداء الممثل، يردُّ قائلاً: «ليس في «الاجتياح» شيء مهيمن هو أخطبوط منظم ومنضبط. أعتقد أنه من أهم الأعمال في الدراما العربية على الإطلاق، كل شيء فيه يقدم بجرعة ضرورية: التمثيل والحركة واللون والتفجيرات... كلها مجموعة عناصر تعمل بهارمونية، ووصلنا إلى ذلك بنسبة عالية». وقد سيطرت على العمل مناخات مخيفة عبر إضاءة خافتة وألوان رمادية تميل إلى الأخضر، وظفها المخرج لإعطاء الانطباع بمادة وثائقية: «سئلت في أكثر من مكان عن بعض المشاهد التي ظنها الناس من الأرشيف، وهذا أسعدني».
أما آخر الأعمال التي أنجزها صاحب «الأرواح المهاجرة» فكان مسلسل «أبو جعفر المنصور» مع الكاتب محمد البطوش، ومن إنتاج المركز العربي، وبمشاركة نخبة من النجوم السوريين والأردنيين. فماذا يقول الماجري عن هذا العمل؟ «يروي سيرة «أبو جعفر المنصور» (يؤدي الدور عباس النوري) مؤسس بغداد والدولة العباسية، ويتحدث عن انهيار الدولة الأموية وبداية دولة أخرى. وتأتي أهمية هذه الشخصية من كونها المؤسسة لبغداد التي نرى الآن كيف تتهدم. وهناك عناصر تهمنا اليوم كميكانيزم السلطة، وكيف تزول دولة وتقوم أخرى سيكون فيها مشاكل داخلية، وكم سيضطر المنصور لخوض المعارك ولأن يصبح ديكتاتوراً ولأن يقتل ولأن يبني في الوقت نفسه. أمر مرعب وليس سهلاً أن تكون في داخل هذه المنظومة. وإذا ما دققنا النظر في هذا الوصف، وخصوصاً ربطه بما هو معاصر، فقد نجد في «منصور» المسلسل صورة متخيلة عن صدام حسين. وهذا التوجه ليس مفاجئاً من جهة منتجة أردنية». المسلسل يطرح أيضاً «مواضيع أخرى لا تزال تقلقنا آثارها كالعلاقة بين الفرس والعرب والشيعة والسنة، ويؤكد ذلك ما يحدث حالياً في العراق».
شوقي الماجري سيكون على موعد نهاية هذا العام مع إخراج فيلم سينمائي هو «مملكة النمل» من إنتاج تونسي ـــ سوري، وهو فيلم فلسطيني الموضوع، يتحدث عن الدفن وما يجري تحت الأرض، من خلال رصد شخص مهمته المحافظة على الموتى. كما يحضّر لمشروع مع الكاتب غسان زكريا عن هنيبعل، على أن يؤدي دور البطولة عابد فهد، ويكون الإنتاج سورياً تونسياً مشتركاً.


لا لاستنسـاخ «أسمهـان»
بعد سنوات من المدّ والجزر، يبدأ شوقي الماجري غداً تصوير مسلسله الجديد «أسمهان» الذي تؤدي دورها فيه الممثلة سلاف فواخرجي. والعمل من تأليف ممدوح الأطرش وقمر الزمان علوش، وإنتاج شركة فراس إبراهيم وشركة «فرح ميديا» المصرية، بمشاركة عدد كبير من الفنانين العرب (عابد فهد، فراس إبراهيم، كمال أبو رية، طارق لطفي، ورد الخال). وهو إنتاج ضخم سيُصَوَّر في مصر وسوريا، وسيكون جاهزاً للعرض في رمضان على mbc وart.
كيف سيتعامل المخرج مع شخصية إشكالية كأسمهان، المرأة المتحررة والفنانة المغامرة الآتية من بيئة تقليدية ومحافظة، التي كانت على صلة بدوائر استخبارات بريطانية وألمانية؟ «نتعامل بجدية، إن وجدت أشياء قد تجرح المواطن العربي أخلاقياً، يجب مراعاتها في أي عمل. وقد يكون هناك ما لا نقوله، لكن ما نقوله يجب أن يتمتع بالصدقية. ما سنقدمه هو تصورنا، وشخصية أسمهان ليست شخصية مقدسة، وليس لها حصانة. نحن لسنا ضدها أو في صدد محاكمتها، كما أننا لا نتعامل معها كقديسة، نحاول أن نشعر بهذا الشخص». ينتظر أن يلاقي عمل يتناول حياة هذه المطربة انتقادات، لكونها تنتمي إلى ماضٍ قريب، وما زال بعض شهود حياتها أو أولادهم على قيد الحياة. عن ذلك يقول: «أتوقع أن تكون هناك ملاحظات، لكنني لا أريد أن استنسخ أسمهان، لا يعنيني أنّ أحداً عرف أسمهان وعرف تفصيلاً معيناً سنقدمه بشكل مختلف فيعترض. لن أقوم باستنساخ تفاصيل حياتية، بل سأركز على ما يهمني في هذه الأزمة، أزمة هذا الإنسان الخلاق والفنان في إطار فني معين في فترة الثلاثينيات والأربعينيات، وأزمة الإنسان العربي في فترة تاريخية محددة».
يدير الماجري للمرة الأولى في «أسمهان» ممثلين قادمين من مدرسة فنية عريقة لم يسبق له العمل معها، فكيف سيكون اللقاء؟ «لا أعتقد أن هناك إشكالية، لن أتغير، لدي طريقة عمل، ولدى المصريين طريقة مختلفة، تخصهم ولا أقوِّمها. أنا لن أغير طريقتي، وأعتقد أنهم يتفهمون ذلك».