بيار أبي صعببين «نقاد» الأدب من يقتصر جهده على الكتابة الصحافيّة القصيرة النفس، «المتحرّرة» من المنهج الصارم والبحث الدؤوب، ومنهم من يجمع في نشاطه بين الكتابة الإبداعيّة والأخرى النظريّة، ومنهم من يبقى محصوراً في إطار العمل الأكاديمي... بعيداً عن العلاقة الديناميّة بين النص النقدي والواقع. فيصل درّاج يصعب تصنيفه في أي من تلك الخانات الجاهزة. هذا الناقد الفلسطيني (1943)، يبدو حرفيّاً أكثر منه اختصاصياً، وشاهداً أكثر منه صاحب سلطة. لا يمكنك أن تتخيّله إلا جالساً في عزلة مكتبه. يغوص في النصّ بحثاً عن العلامات والمعاني والعلاقات، يعيد قراءته في ضوء الواقع السياسي والاجتماعي والخلفيّة المعرفيّة والفكريّة. «ناقد ملتزم» فيصل درّاج؟ بل «قارئ محترف» مشغول بصوغ خطاب نقدي يواكب الممارسة الإبداعيّة، أو يستبقها أحياناً. يؤرّخ لها، طارحاً على النصّ مجموعة من الأسئلة الفكريّة والجماليّة.
هذا ما يلمسه قارئ «الذاكرة القوميّة في الرواية العربيّة ـــــ من زمن النهضة إلى زمن السقوط» (مركز دراسات الوحدة العربيّة). البحث مكتبة قائمة بذاتها، تستعيد بعض أكثر التجارب رسوخاً في ذاكرتنا الأدبيّة: الطهطاوي وفرح أنطون وهيكل، طه حسين وسلامة موسى وتوفيق الحكيم، منيف وجبرا والشرقاوي وتوفيق يوسف عوّاد وغسان كنفاني، غالب هلسا وجمال الغيطاني وبهاء طاهر وصنع الله ابراهيم وإلياس خوري... قد يعترض بعضهم على موضوع البحث الذي يقصي حكماً مجموعة من الأعمال الطليعيّة، والتجارب المهمّة المشغولة بالذات والتجرية الفرديّة. لكن الباحث يبدأ من المنابع، حيث العلاقة عضويّة بين صعود الوعي القومي وتبلور الرواية جنساً أدبياً حديثاً. ثم يفاجئك بتوسيع دائرة رصده وتحليله لتشمل أسماء لا يوحي بها عنوان الكتاب للوهلة الأولى، مثل هدى بركات... أو حتّى ربيع جابر!