خليل صويلح لا تقلُّ سيرة عبد السلام العجيلي الحياتية (1918ـــــ 2006) أهمية عن سيرته الكتابية. البدوي الذي ولد على ضفاف نهر الفرات لعشيرة مرموقة، وجد نفسه في مطلع الأربعينيات منغمساً في السياسة. إذ مثّل عشيرته نائباً في البرلمان، وعلى إيقاع النكبة، تطوّع في جيش الإنقاذ، ثم صار وزيراً للثقافة والإعلام. هكذا اقتحم الساحة السياسية، قبل أن يغادر العاصمة ليستقر في مدينته الرقة، ويفتتح أول عيادة طبية في المدينة.
في كتابه «عبد السلام العجيلي: حكواتي من الرقة» (منشورات الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008)، يرصد نبيل سليمان محطات في حياة صاحب «المغمورون» وأدبه. وإذا بحياته تتكشف عن مغامرة فريدة تجلت في كتاباته وسيرته وعن منجم سردي ثري على المستوى الحكائي والجمالي. فهو ما انفكّ ينبش في تفاصيل المجتمع البدوي وغموض الصحراء ومصائر بشر لفحتهم شمس الترحال والغيبيات، في قصص وروايات جرّب خلالها صاحب «أرض السيّاد» تقنيات القص والرسائل والمذكرات والأحلام، ليتوّج أسلوباً حكائياً يمزج كل ألوان السرد بما فيها الغرائبي والعجائبي والغيبي.
ويشير سليمان إلى تنوّع فضاءات العجيلي إذ كتب الشعر والرواية والقصة وأدب الرحلات في نسيج فريد ومشوّق. يمزج على الدوام السيري والبيئي ليكونا معاً جوهر اهتمامات هذا الكاتب الفذ. لكن العجيلي رغم غزارته في الكتابة، ظل يردد أنه مجرد هاوٍ للأدب، ولذلك لم ينخرط في الوسط الثقافي مباشرة، بل وقف على مسافة تفصله عن الجميع بمقدار واحد. هكذا بقي مخلصاً لمدينته النائية وأناسها القدريين في نصوص ستبقى علامة في السرد العربي، وخصوصاً لجهة استثمار مخزون التراث السردي العربي القديم، وتأثيث نصوصه ببيئة بدوية ومحلية خالصة. كأنه حكواتي معاصر يقتنص أكثر الحكايات فتنة وثراءً. الكتاب الذي اشتمل على شهادات في أدب العجيلي وحوارات معه ومختارات من قصصه، يضيء جوانب أخرى من حياة «أجمل بدوي عرفته المدينة، وأروع حضري عرفته الصحراء» وفق ما يقول عنه نزار قباني. عن دور المثقف في مواجهة السلطة المستبدة، يقول العجيلي: «السلطة المستبدة في بلد تملك فيه كل وسائل التعبير والإقناع وكل القوى، قادرة على أن تجرّد المفكر، لا من حياته أو حريته وحدهما، بل من اعتباره الفكري الوطني والخلقي».