في حين منحت المجلات الشهرية العالمية المتخصصة بالموسيقى الكلاسيكية جوائزها التقديرية لأسطوانة موراي بيرايا في عددها الصادر هذا الشهر (راجع المقال السابق)، اكتفت جميعها بنشر إعلان عن الأسطوانة الجديدة لعازف البيانو الإيطالي المخضرم ماوريتزيو بوليني. يقول الإعلان باختصار: «إنه لقاء العمالقة»، في إشارة إلى موزار من جهة وبوليني (مع الأوركسترا الفلهارمونية لمدينة فيينا) من جهة أخرى. لم يُتناول الإصدار الجديد في مقالات نقدية بعد، ذلك أن التاريخ الرسمي لإطلاقه كان في 7 الشهر الجاري. وأسطوانة بوليني الجديدة حَوَت عمليْن لموزار هما الكونشرتو رقم 12، والكونشرتو رقم 24 للبيانو والأوركسترا (دويتشيه غراموفون). ومن المفترض أن تكون، إلى جانب إصدار باخ ــــ بيرايا، الحدث الأهم هذه السنة في عالم الموسيقى الكلاسيكية على مستوى الأسطوانات.يُعدّ ماوريتزيو بوليني اليوم من أهم عازفي البيانو في العالم وأكثرهم خبرة، وهو من دون شك مصنّف بين أشهر 5 عازفين في عالم الموسيقى الكلاسيكية، ممن ما زالوا ينتجون، إلى جانب موراي بيرايا، وألفرد برندل، وفلاديمير أشكينازي، ودانيال بارنبويم. من هذا المنطلق، يُعدّ العازف الإيطالي مورداً مادياً كبيراً للشركة التي تنتج أعماله. وهذا ما يجعلنا في حالة ترقّب حذر: ما تراه يكون موقف كبريات المجلات الموسيقية في العالم من هذا العمل؟ هل نتوقّع من نقّادها انتقاداً لنقاط الضعف الأساسية في هذا التسجيل؟ أم سيمنح «على العمياني» (حسب التعبير العامي) جوائز التقدير، نزولاً عند رغبة الشركة المنتجة التي ربما «تفضّل» المديح تفادياً لما يمكنه أن يحدّ من تسويق منتَجها. وعندما نتكلم عن نقاط ضعف في أداء بوليني، لا نقصد أموراً نافرة، بل ملاحظات متشددة فقط هي على قدر ما كنّا ننتظره من عازف بمستواه، بلغ أعلى مراتب الكمال.
بوليني ــــ موزار هي علاقة مهمة في تاريخ الأداء الكلاسيكي. فقد سبق للعازف الإيطالي أن سجّل أربعة كونشرتوهات من روائع المؤلف النمسوي: اثنان مطلع الثمانينيات (رقم 19 و23) مع الأوركسترا الفلهارمونية لمدينة فيينا بقيادة كارل بوم قبيل رحيله، واثنان في عام 2006 (رقم 17 و21) مع الأوركسترا نفسها التي تولى قيادتها بوليني من وراء البيانو. اليوم يضيف بوليني إلى رصيده ـــ وهو صاحب أهم التسجيلات لشوبان وبيتهوفن وشومان وشوبرت ــــ اثنين آخرَين من كونشرتوهات البيانو الـ27 لموزار.
لقد حقق في أداء الأربعة الأولى (19، 23، 17 و21) نجاحاً قلّ نظيره، وكذلك في واحد من الاثنين (رقم 12) اللذين تناولهما في أسطوانته الأخيرة (تسجيل حيّ). أما المقصود بـ«نقاط الضعف»، فيدور حول بعض الإخفاقات في الكونشرتو رقم 24، حيث يعتري ارتباك واضح الجمل التي يدخل فيها البيانو للرد على الأوركسترا. وسبب ذلك هو تولي بوليني قيادة أوركسترا كبيرة، تصعب السيطرة عليها من وراء البيانو، وخصوصاً في هذا الكونشرتو الضخم. ورغم ذلك، تبقى الأسطوانة من أهم إصدارات هذه السنة، من دون
شك.

أسطوانة ماوريتزيو بوليني، Mozart Piano Concertos k.414&491