القدس المحتلة ـ نجوان درويش أن تتذكر نزار قباني في ذكرى رحيله العاشرة، يشبه تذكّر دار سينما قديمة عرفتها في مراهقتك، أو ترددت عليها ذات زمن يبدو الآن «ذهبياً» بلا مبرر... سينما اشتهرت في الخمسينيات أو الستينيات، وعرفتها أجيال لاحقة. أنت عرفتها مطلع التسعينيات وهي تبثّ هجائيات سياسية ضد «الهرولة» و«اتفاقية غزة أريحا» وتتساءل «متى يعلنون وفاة العرب؟». سينما بَنَتْ سمعتها العاطفية الواسعة على إقبال محرومي الحب ومكبوتي الجنس، وأيضاً على التواقات والتواقين إلى مستقبل أفضل للجسد العربي. وسّعت قواعدها بتقديم تنزيلات ضخمة على تلقي الشعر. ضربت الأسعار من دون تفكير في العواقب. وفي إعلاناتها ما انفكت تدغدغ خيال الأسرى بكلمات «التحرر» و«الحرية».
لعلّها إحدى تلك «السينمات» التي شاهدت فيها أفلاماً «غرامية»، وبعضاً من البورنو، أو اصطحبت فتاة لأول مرة لمشاهدة فيلم عاطفي رائج من صناعة هوليوود أو... الهند! هناك شربت قهوة جاهزة وسندويشات أي كلام، لكنها كانت شهية وقتها. بالتأكيد لم تشاهد في هذه السينما أفلام بيرغمان أو كيروساوا أو كياروستامي. لم تشاهد سينما بالمعنى العميق للكلمة. لكنّ أهمية تلك السينما أنها كانت الأكثر رواجاً وتأثيراً في زمنك. سينما قومية بمعنى ما. مرتبطة في الذاكرة الجمعية بحوادث ومناسبات وندوب. صانعة لما كان يسمى «وجداناً شعبياً». وأنتَ شخصياً مدين لتلك السينما التي يبدو كلامك عنها الآن مشوباً بنغمة النكران. سينما جامعة لـ«أمّة» تتناهشها الطوائف والعصبيات القبلية والأصوليات من جهة؛ ولصوص الحكم والمستعمرون الجدد من الجهة الأخرى.
صحيح أنك لا تحب كثيراً قصائده عن فلسطين، لكنك مدين للحرقة التي كتب بها فلسطين: قضية جامعة وفكرة جامعة للعرب في مواجهة مشاريع استلاب وقِوادة دولية. وهي الحرقة ذاتها التي كتب بها لبنان وكل أرض وقضية عربية. مدين لفروسيته وأنت ترى «شعراءَ كباراً» يدفنون رؤوسهم في الرمل عند كل عدوان إسرائيلي جديد. كان لنزار صوت عال يسمعه العرب جيداً، يُفتقد اليوم بقوة. كل سينما مغلقة اليوم تذكرني بنزار. يخطر في بالي حين أمر قرب المبنى المهجور لـ«سينما الحمرا» في القدس. وكذلك تذكّرته بين مجموعة من الأصدقاء، قبل أسبوعين، ونحن نمرّ بمبنى كبير ومطفأ في ليل بيروت. قالوا إنها «سينما بيكاديللي» التي أغلقت بعد الحرب الأهلية.