القاهرة ـــ محمد شعير كيف ينظر الشعراء المصريون إلى نزار قباني بعد عشر سنوات على رحيله؟ هل لا يزال حاضراً أم دخلت قصيدته متحف التاريخ؟ وهل ما زال ناطقاً رسمياً بلسان العشاق، أم غطّت السياسة على قصائده الغزلية التي وجدت طريقها بسهولة إلى الجمهور؟
سببان رئيسان يراهما الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وراء التفاف الجمهور حول أشعار نزار، لكن «الأناقة لم تستمر طويلاً، وإن بقيت الجرأة التي اقتربت في قصائده الأخيرة إلى السباب». حجازي يحبّ نزار لأنّه «شاعر حقيقي له لغته الخاصة. كان يعرف اللغة، يستطيع أن يقول في قصيدته ما يريد، محافظاً في الوقت عينه على الشروط المطلوبة في لغة الشعر من صور وتكثيف وإيقاعات، فضلاً عن جرأة ميزت لغته واختيار موضوعاته. لكن مع هذا، لا نجد عمقاً».
يوضح صاحب «مدينة بلا قلب»: «نجد في شعره الكثير من الفساتين والحمالات والمشدات. ولا نجد إلا القليل من الأفكار والعواطف. هذا الطابع الحسي الشهواني لفت إليه الأنظار أكثر من فنّه الجميل. ونستطيع أن نقول إنّ دواوينه الأولى كانت شعراً من أجل الشعر، وكانت بالتالي رداً على أشعار الرومانطيقيين الذين تصدّروا الحركة الشعرية في الأربعينيات، وأسرفوا في التعبير عن عواطفهم. إلا أنّ نقاد نزار لم يلتفتوا إلى فنّه بل إلى موضوعاته، وهذا ما صنعه أيضاً قراؤه». ويضيف حجازي: «بعدما أصدر ديوانه «هوامش على دفتر النكسة»، أصبح مسرفاً في الكتابة، وتخلى عن أناقته واحتشاده في صناعة قصيدته، صار يكتب كلاماً عادياً ويخلط لغته التي كانت براقة بمفردات دارجة بلغت حد الركاكة... هذا الشعر سيموت معظمه إن لم يكن قد مات بالفعل، ولا أحد يعود إليه الآن».
الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة من جيل تالٍ لحجازي، يتفق مع زميله في أنّ «القصائد الأخيرة لنزار كانت أقرب إلى الريبورتاج الصحافي، استسلم فيها للهتاف والهجاء السياسي وإطلاق الأحكام التي دنت من لغة الشارع». لكن ما الذي سيتبقى من نزار؟ يجيب أبو سنة: «هذه الجرأة في ابتكار قصيدة خاصة به، ستبقى قيمةً فنيةً ونبراساً أمام الأجيال الجديدة، إذ لا يمكن للإبداع أن يتقدّم من دون الشجاعة».
الشاعر عبد المنعم رمضان يقسم المراحل الشعرية التي مرّ بها نزار إلى مرحلتين: «قصائده العمودية عن المرأة التي لم يكن فيها أي معنى. فالمعنى هو السبيل العفوي إلى اصطياد الكلمات، ونزار هنا لا يحترم المعنى ولا يهينه فحسب بل يعبر عليه. أما في شعره ما بعد العمودي أو ما بعد المرأة، فنجده شاعراً بائساً لجأ إلى المعنى، مع أنه ليس منتج معان عميقة بل أصبح يلتقط ما يتساقط من أفواه الناس. من هنا، بدأ نزار يبتعد بالتدريج عن «أيظن»، و«ماذا أقول له» و«طفولة نهد» واقترب من كاظم الساهر وأمثاله»!
علي منصور الذى ينتمي إلى جيل الثمانينيات الشعري، يقول إنّ نزار «حفر اسمه في الذاكرة الجمعية، وإن بدا مهمشاً في ذاكرة النخبة. فهو لم يكن منتمياً إلى أي حزب، ولم يكن سياسياً بالمفهوم الإيديولوجي. كان شاعراً ذا هم سياسي ووجداني. وفى كلتا الحالتين، وصل إلى الجمهور، حتى إنّه يمكن اعتباره عمر بن أبي ربيعة العصر الحديث. أما إذا حكمنا على شعره بالمعايير النقدية الحداثية، فسيختلف التقويم من ناقد إلى آخر. سيأتي مثلاً ناقد واقعي ليقول إنّ نزار أسهم في تغييب الجماهير العربية... لكن هذا ليس حكماً حقيقياً لأنه كان شاعراً محرّضاً، بل هو الذي أعلن «وفاة العرب». ويختتم منصور: «المعايير الحداثية جنت على الكثير من الشعراء الكبار، وظل تأثيرهم محدوداً في الواقع، منحسراً في إطار النخبة، وهو ما نجا منه نزار وحده».