strong>الدوحة ــ فاتن الحاجهمّت فَرَح بالصعود إلى الحافلة التي تُقلّنا إلى المدينة التعليمية في قطر. بدت الفتاة متحمسة لمرافقة الصحافيين في جولتهم الاستطلاعية على المدينة. توجهت إلى سائق الحافلة الهندي ببضع عبارات لم نفهمها نحن العرب. لم تمنع حشرية زميلنا غير الخليجي من التعليق متسائلاً: «ما هذه اللغة التي تتحدث بها تلك الفتاة القطرية مع السائق، هل هي العربية؟». هي في الواقع «ليست لغة»، تشرح فرح، بل مجرد «وسيلة للتفاهم مع الآسيويين هنا عبر تبسيط المصطلحات العربية». والمفارقة أنّ أسلوب التخاطب هذا عُمّم وانتقل تدريجياً من حيز التداول الفردي المحدود إلى ما يشبه لغة عامة يتبنّاها القطريّون. لكن فرح تسارع إلى التأكيد أنّها ليست اللغة نفسها التي نتكلم بها نحن القطريين في ما بيننا، فعندما نقول للهندي «إنتَ في معلوم» يعني ذلك أنت تدري؟ وإذا أردنا أن نعلمه عن أمر خرِب نقول له: «هادا في خراب»، وحين نريد أن نسأله شو تسوي؟ نقول: «شينو في سوّي» وغيرها من العبارات: بابا وين روح إنتَ؟ إنتَ في روح سوق في جيب ماما؟... وفيما ينادي القطري كل اسم هندي بـ«رفيق» فلان، يسأل هذا الأخير عن «تشيكو»، وهي كلمة هندية تعني الطفل الصغير، أو «دريشة» وهي مصطلح هندي يعني الشبّاك.
واللافت هو تحوير مصطلحات أصلها إنكليزي واعتمادها بشكلها الجديد بعد سماعها بلهجة الهندي مثل «driver»، أي السائق، والتي تحوّلت إلى «driwer» ومن ثم إلى «drewel»، وهو المصطلح الذي يخاطب به بعض القطريين غير المطّلعين على الأصل الإنكليزي سائقهم. أما «كيما» فهي أشهر المأكولات الهندية التي يتفنّن القطريون في تحضيرها، وهي عبارة عن خضار مشكل مع بازيلاء وحر.
هكذا قادت سيطرة العنصر غير العربي وفجائية المتغير الديموغرافي وقوّته القطريين إلى التنازل غير الواعي عن الكثير من مخزونهم اللغوي. وقد دخلت قطر عصراً جديداً من الازدواجية السكانية غير المتوازنة، بحيث تجاوزت أعداد الوافدين أعداد الشريحة المواطنة بفارق كبير، فهناك حوالى 500 ألف وافد مقابل 300 ألف قطري، ومنهم من يقول إنّ الوافدين يمثلون 80% من السكان، أي أنّ السلّم معكوس.
وتشير الدراسات إلى أنّ اللهجات الخليجية غدت جامعة لمصطلحات برتغالية وإنكليزية، فضلاً عن الهندية التي تعاظمت على خلفية عاملين: الأول جلب البريطانيين جموعاً كبيرة من الهنود لإدارة المؤسسات، والثاني وفود عمالة هندية رخيصة كثيفة إثر الطفرة النفطية الأولى. وفي مرحلة لاحقة، بدت القوة البريطانية واللغة الإنكليزية صاحبتي التأثير الأكثر عمقاً على اللغة والثقافة العربيتين في الخليج. وقد جرى التغاضي في عدد من دول المنطقة عن استخدام مصطلحات عامية في اللوحات الإعلانية الموضوعة في الطرقات والأسواق والمحلات التجارية. وحول أزمة اللغة العربية في دول الخليج العربي، يشرح الباحث الخليجي عبد الجليل زيد المرهون أنّ هناك ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في تشكيل الأزمة، هي التحول الديموغرافي التاريخي باتجاه سيطرة العنصر غير العربي، والثاني الانتشار الكثيف لظاهرة الخدم، والثالث ضعف الإنتاج المعرفي بصفة عامة، والأدبي واللغوي بصفة خاصة.