«نظرتك إلى الجهة التي سيأتي منها قطار المترو/ لن تفيد شيئاً/ في كل الحالات/ سيأتي القطار/ في الموعد المحدد لمجيئه». هذه الواقعية هي السمة التي تسود ديوان «أنسب الأوقات للخطيئة» (دار ميريت) باكورة تامر عفيفي الشعرية. المجموعة واقعية تحدّها أحياناً مناجاة غيبية، يفترض فيها أنّ «الملائكة لا تعذب الطيبين»، كما يقول عنوان إحدى قصائده. ويمارس بعض «الاضطراب» الوجودي عندما يكتشف أن «كل الخيارات بين القوسين صحيحة»، ذلك أنّ «الليل/ أنسب الأوقات للخطيئة/ وهو أيضاً / أنسب الأوقات للصلاة/ ولأن الاختيار صعب/ فهو أنسب الأوقات للنوم». لكن الافتراضات الأقوى تبقى مشدودة إلى الأرض: «افتراض أنك موجود/ يجعلك تسير وسط الشوارع/ تمارس أفعال الوجود/ وترى العدم ضداً/ وافتراض أنّك إنسان/ يجعلك تفعل مثل هؤلاء/ وتبحث عن كلمات مثل/ موت وحياة وخير».هذه النتائج المنطقية يرصّها عفيفي بهدوء متدرج، وصولاً إلى لحظة التنوير التي يحتجزها عادة إلى نهاية القصائد: «الافتراض مهمّ جداً في التحقق/ إنه يحقق لنا الكثير/ من النجاحات الافتراضية». ويعود إلى تأكيد الهواجس نفسها بصيغة أخرى: «في المحطة المقبلة/ سأحاول الخروج/ قبل أن يتهمني أحدهم/ بالوجود».
84 صفحة من القصائد القصيرة، المحمّلة بكثير من التساؤلات والمخاوف، والقليل من الوجوه الإنسانية، ووجود أقل للعلاقات التي عادة ما تنوء الدواوين تحت ثقلها. هنا الوصف التراجيدي سيد الموقف: «ماتا منذ زمن/ ولم يشعرا/ لأن كلاً منهما/ قال للآخر في يوم ما/ لا أستطيع الحياة من دونك». أما في قصيدة «متع أخرى لا يسعها سريرنا»، فيستحضر عفيفي خيالات سيكولوجية واضحة: «سأمدد هذا الرجل على السرير/ ستمددين هذه الأنثى بجواره/ سنتركهما معاً يستمتعان بوقتهما/ ونذهب نحن لنتجول في متع أخرى/ تحتاج إلى بحث
أفضل».
يستخدم عفيفي جملاً وأبياتاً قصيرة مثل قصائده. ولسبب ما، وجد نفسه مسؤولاً عن تفسير ذلك: «تؤرقني الجمل الطويلة في الكتابة/ أضع الفاصلة كثيراً/ كلما تمكنت من وضعها/ لأشعر بالسكينة والاطمئنان/ علامات الترقيم/ تخلصني من أزمتي المعتادة/ وتقنع القارئ/ بنهايات منطقية للجمل».
في مفتتح الديوان، يعطي عفيفي إنذاراً خادعاً بقصيدة «حواة... صنعهم الذوبان»: «في الفقرة المقبلة/ سأخرج لكم من قبعتي حمامة/ وأذكر لكم أسماء أمهاتكم/ وأعلق أجسادكم في الهواء/ واثقاً من وهمي الكبير». هو إنذار مخادع لأنه سرعان ما يعود إلى واقعيته، بقصائد أطاحت شاعرية بعضها جرعات ذهنية زائدة، تتخللها أمنيات حزينة: «أريد أن أموت مثلهم/ هؤلاء الذين ماتوا في سلام/ من دون رؤية ما يميت».