المشهد الفضائي السوري يسعى إلى تجديد شبابه: بين اعلام رسمي صورته راسخة، ومبادرات خاصة عند خطواتها الأولى، وانتاج درامي قويّ وغزير يصدّر غالباً إلى الشاشات العربيّة... كيف تكون ملامح المستقبل؟
منار ديب
يجد المشاهد العربي اليوم ثلاث فضائيات سورية هي الفضائية الرسمية و«الدنيا» و«شام». ولا يمكن تجاهل الفضائية السوريّة على رغم أنّها ليست من القنوات القويّة والمسيطرة.ذلك أنها تقدّم في المقام الأول، مسلسلات ليست قديمة خلافاً لكثير من الفضائيات. كما تزوّد المشاهد السوري بموضوعات محلية تهمه، وخصوصاً أن أحداً لم يعد يشاهد القنوات الأرضية إلا في رمضان. إذ تعرض هذه الأخيرة المسلسلات المَبيعة حصرياً للفضائيات، أو تلفت انتباه الناس عبر النشرة الجوية ومباريات الدوري السوري لكرة القدم المحتكرة فضائياً، (سيتمّ قريباً افتتاح قناة أرضية للرياضة قد تسهم في كسر هذا الاحتكار، وستحل محل القناة الثانية). إلا أن الفضائية السورية، أطلقت أخيراً شعار «الفضائية تجدّد نفسها» عبر سلسلة من البرامج، لم يخلُ بعضها من حيوية، أثارت اهتماماً في الشارع والصحافة. هناك مثلاً «نادي التلفزيون»، البرنامج الفني الذي تقدمه الإعلامية والممثلة أمل عمرايا، ويستضيف وجوهاً بارزة في الدراما السورية، كانت حاضرة بالكامل في برامج الفضائيات العربية وغائبة عن التلفزيون المحلي. ثم يأتي برنامج «ثقافة وحياة» إعداد وتقديم محمد علي سليمان، ويطرح موضوعات شيقة من خلال نقاشات شاركت فيها أسماء معروفة في الساحة الثقافية المحلية. أضف إلى ذلك «قصة نجاح» من إخراج معن صالح، ويتناول بطريقة جديدة تختلف عن حوارات الاستديوهات المغلقة، المسيرة الحياتية والمهنية لشخصيات بارزة في الحقل العلمي والثقافي. هناك أيضاً «جيلنا» مع الشاب المثير للجدل أمجد طعمة، ويتناول قضايا شبابية مختلفة، ويركّز على استضافة وجوه من الجيل الجديد. والملاحظ أن الفضائية السورية لم تستطع حتى اليوم أن تقدم نجماً إعلامياً، وبعض وجوهها معروف على الصعيد المحلي في أفضل الأحوال.
أما البرامج السياسية، فتبدو حتى الآن غير قادرة على جذب المشاهد، نظراً إلى تواضع إعدادها وسعي مقدميها إلى تقليد وجوه إعلامية عربية من دون نجاح، ومعاناتها من أنّ ضيوفها هم من لون واحد في الأغلب. أما النشرات الإخبارية، فتشهد تجديداً مستمراً، إذ ازدادت التقارير المصورة التي يعدها مراسلون في المنطقة والعالم، لتحلّ محلّ التقارير الهاتفية القليلة التي عرفت في الماضي. وأخيراً صارت النشرة الرئيسية على الفضائية، تستهلّ بمقدمة تحمل تعليقاً يتضمن موقفاً ورأياً، تشبه مقدمات نشرات القنوات اللبنانية.
قريباً من الفضائية السورية، يُتوقع أن يبدأ البثّ التجريبي للفضائية الخاصة بالدراما في حزيران (يونيو) المقبل. وذلك يبدو محاولة طموحة في بلد ينتج مسلسلات متطورة، كمّاً ونوعاً. إنما لا يمكن تجاهل هيمنة الفضائيات العربية على الحقوق الحصرية للعرض والعرض الأول، وقدرتها على دفع أسعار قد تعجز عنها هذه الفضائية، على رغم تردّد أنباء عن ميزانية ضخمة مخصّصة لها. أضف إلى ذلك حرص المنتجين على عرض أعمالهم على فضائيات مشاهَدَة على نطاق واسع، تجذب الإعلانات. وخصوصاً أن محطات عدة بدأت تنتج أعمالها بنفسها.
حتى لو جرى تكريس خطوة شراء التلفزيون السوري لجميع الأعمال المنتجة وبأسعار مشجعة كما حدث في الموسم الماضي، فإن ذلك لا يمكن أن يتم على حساب الفضائيات المذكورة. وتبقى للفضائية السورية الجديدة ميزة الإفادة من الأرشيف الدرامي الغني الذي يملكه التلفزيون المحلي، لكنها ميزة غير كافية بالتأكيد. أما قيام هذه الفضائية بإنتاج أعمال، فالتجربة غير المشجّعة لمديرية الإنتاج في التلفزيون السوري، والتي لم تقدم إلا عملاً واحداً في الموسم الرمضاني الماضي هو «أشياء تشبه الحب» لعبد الغني بلاط، تجعل من هذا المشروع أمراً يحتاج إلى ما يشبه الانقلاب في هذه المديرية. وهناك من يتحدث عن نية لتحويل المديرية إلى شركة منفصلة، وفي هذه الحالة لا بد من وقت كافٍ لتظهر ملامح هذه الشركة وقدراتها.
ومن الفضائية السورية إلى قناة «شام»، أولى الفضائيات المحلية الخاصة التي يملكها النائب والمنتج أكرم الجندي. تزامن إطلاقها مع ظهور قناة أخرى هي «سما الشام» للإعلامي علي جمالو. وهذه الأخيرة نقلت بعض الأحداث المحلية كالمسيرات المناوئة لتقرير ميليس، كما بثت برامج وثائقية وفقرات ترويجية وأغاني ومسلسلات قديمة ثم سرعان ما اختفت. أما «شام» الأصلية، فبعد حضور لافت من خلال مسلسلات سورية جديدة في رمضان 2006، منها «غزلان في غابة الذئاب» الذي عرض بلا حذف... وبينما كانت تتهيأ للبدء ببث نشرات الأخبار والبرامج السياسية جرى إيقافها لأسباب فُسّرت على أنها سياسية، فيما قُدّمت رسمياً على أنها إدارية بحتة (راجع «الأخبار»، عدد 6 أيلول/ سبتمبر 2007). ثم عادت القناة إلى البث، وهذه المرة من مصر ومع مالكين جدد، لتستفيد من جديد من الموسم الرمضاني 2007 فكانت إحدى المحطات القليلة التي عرضت «رسائل الحب والحرب» لباسل الخطيب. لكنها عادت بعد رمضان إلى عرض مسلسلات قديمة، وبرامج لتقطيع الوقت حتى نسيها المشاهدون.
وبالنسبة إلى فضائية «الرأي»، فقد اعتقد الناس للوهلة الأولى أنها عراقية لارتباطها باسم السياسي والإعلامي العراقي مشعان الجبوري، صاحب صحيفة «الاتجاه الآخر» وفضائية «الزوراء» المغلقة. إلا أنه نفى أي علاقة له بها تتجاوز الاستشارة، بينما صاحبة ترخيص هذه الفضائية هي السورية روعة الأسطة، زوجة الجبوري. ويقوم الجبوري مع الإعلامي السوري فيصل القاسم، والنائب اللبناني السابق ناصر قنديل باختيار طواقم القناة وتدريبهم. «الرأي» التي بدأت بثها التجريبي بنشرات إخبارية وإعلانات عن برامج، مع شعار القناة «الرأي قبل شجاعة الشجعان»، ستكون مهتمة بالبرامج السياسية الحوارية، ويجري الآن تسجيل عدد من الحلقات.


هيك!
ربما كانت قناة «الدنيا» هي التجربة الفضائية السورية الخاصة الأكثر تكاملاً واستمرارية، والمهيّأة أكثر من سواها للنجاح... هذه المحطة التي بدأت بثها التجريبي الصيف الماضي، وستنطلق رسمياً الشهر المقبل، يملكها سبعة منتجين ورجال أعمال سوريين، من بينهم: عماد غريواتي ومحمد حمشو وسليمان معروف ونبيل طعمة. تتمتّع القناة بتقنيات حديثة، ويتولى إدارتها رجل صاحب خبرة هو الدكتور فؤاد شربجي، أما مدير البرامج، فهو الإعلامي عماد نداف.
والبث التجريبي لـ«الدنيا» التي تطمح إلى نقل «صوت الناس وصورة الحياة»، يُظهر الصورة التي ستكون عليها مستقبلاً: على رغم ساعات البث الطويلة، يضيع المشاهد في النقل المباشر لأحداث سياسية وثقافية كبيرة أو صغيرة تجري في كل مكان. إلا أن ذلك يظهر اهتماماً بالحضور في كل فعالية، وخصوصاً الأهلية منها ونقلها أو إعداد تقارير عنها.
والبثّ التجريبي لم يتضمن برامج من حلقات بل برامج منفصلة غالباً، بعضها كان لافتاً كبرنامج عن «المولوية» في مناسبة الاحتفال بجلال الدين الرومي، وبرنامج عن سهيل إدريس استضاف الروائي حنا مينة والشاعر شوقي بغدادي، وتضمّن تقريراً من بيروت عن صاحب «دار الآداب». وعرضت القناة مقابلات عدة عالجت موضوعات مختلفة كالدراما السورية، ودمشق عاصمة الثقافة العربية. إلا أنها أيضاً تبدي ولعاً بنقل مباريات دوري كرة السلة. ومسلسلات «الدنيا» تتنوع بين القديم والجديد، لكن يُلاحظ أن الاختيارات ذكية، تعي ما يحبّ الناس مشاهدته.
أما البرامج السياسية، فيقدمها طاقم آت من التلفزيون الرسمي ويحمل عيوبه، لكن طيف الضيوف يبدو أكثر تنوعاً. صحيحٌ أن كوادر الفصائل الفلسطينية الحاليين أو السابقين ممن صاروا محللين سياسيين، هم ضيوف دائمون، نظراً إلى ضعف الحراك السياسي المحلي... إلا أن شخصاً كالكاتب المعارض فايز سارة (المعتقل حالياً) مثلاً كانت له فرصة الظهور على هذه الشاشة. والنشرات الإخبارية المقتضبة لـ «الدنيا» لا تملك مزايا خاصة. أما فقرة «صوت الناس»، فتغامر بسمعة القناة، لأنها ليست صوت الناس بالضرورة بل ربما هي أقرب إلى وجهة النظر الرسمية، أُضيف إليها بهار إعلامي، لا تسمح رصانة الإعلام الرسمي باستخدامه. وبينما تبدو فقرة أقوال الصحف والشريط الإخباري انتقائية إلى حد بعيد، يضيف الشريط العريض المروّس بكلمة هام التي تريد لفت نظر المشاهد بالقوة، ضغطاً على الجمالية البصرية للشاشة المحكومة بلوغو كبير وتقليدي.