بيار أبي صعبالديموقراطيّة في لبنان بخطر. هذا ما يتبادر إلى ذهن القارئ وهو يتلقّف بيانات الدفاع عن حريّة التعبير، من كل حدب وصوب. يبدو أن بول شاوول يتعرّض لمؤامرة لئيمة من الطغمة الفاشيّة، تهدف إلى تطويق كلمته الحرّة. حتى أدونيس الذي أشبعه صاحب «وجه يسقط ولا يصل» تهشيماً، وقّع بياناً من باريس للتضامن مع الشاعر المضطهد. هذا هو المثقف الليبرالي، يدافع عن حريّة خصومه قبل أصدقائه. سماح إدريس الذي يتخبّط في معركته القضائيّة بسبب دعوى فخري كريم ضدّه («الأخبار»، 6/2/08)، ولم يتضامن معه أي من الذين انتفضوا فجأةً داعين إلى «مقارعة الفكر بالفكر»، أصدر بياناً تضامنياً باسم «الآداب». وحتّى عبّاس بيضون الذي عاتب المتضامنين مع سماح إدريس يوم جرّه الناشر والناشط السياسي العراقي إلى المحكمة بسبب مقالة، معتبراً «أنها دعوى وللقضاء أن يحكم فيها بالقانون» («السفير»، 29/1/08)، أضاف توقيعه إلى البيان. وربما كانت التظاهرات قد عمّت شوارع الرباط لحظة كتابة هذه السطور. نتصوّر أصدقاءنا المغاربة الطيبين يرفعون اللافتات: الحريّة لبول شاوول!
كل ما في الأمر أن شاعرنا كتب مقالة سياسيّة، أقرب إلى الهجاء («المستقبل»، 5/1/2008)، متعرّضاً بالتجريح لزعيم لبناني، تشاء المصادفات أنه الخصم السياسي لزعيم آخر يعمل بول شاوول في جريدته. وقد اعتبر الأول، وهو ميشال عون الذي تكرّم عليه بول بلقب «ميشال عو»، أنه ضحيّة قدح وذم، فأقام دعوى قضائيّة ضدّ شاتمه. هذه هي الحملة القمعيّة الفظيعة التي يتعرّض لها بول شاوول. أمّا مقالته التي لم يقرأها معظم موقعي البيانات التضامنيّة، فلو لم تحمل اسمه لما تصوّرنا لحظة أن كاتبها هو المبدع الذي نعرف!
من حق شاعر قصيدة البياض أن يكتب ما يشاء طبعاً، شرط أن يتحمّل مسؤولياته القانونيّة. طبعاً كنا نفضّل أن يتنازل ميشال عون عن حقّه، ويترفّع عن إقامة دعوى قضائيّة ضد كاتب زلّ قلمه. لكنّ الرجل حرّ في خياراته، كأي مواطن آخر. وليس من النزاهة في شيء تحويله إلى راجم حريات! حريّة التعبير، ليست حريّة الشتم يا أصدقاء. كما أن افتعال معارك في غير مكانها باسم «حريّة التعبير»، يسيء إلى المعنيين فعلياً بالديموقراطيّة وحق الاختلاف، ويسخّف قضيّة مقدّسة قد نجد أنفسنا جميعاً، ذات يوم، في خندق واحد (حقيقي) من أجل الدفاع عنها!